عاجل

أحمد الفيشاوي: أنا بقيت جد وعندي جناح خاص بالمصحة
اتهام “المتاجرة بالدم”.. ابن خال الأسد يعلق على أحداث الساحل
شجاعة ملاكم سابق تنقذ فتاة من مجرم في مطار
أمريكا ستغرق في الديون بعجز يبلغ 40 تريليون دولار
مسؤولة في “روساتوم” توضح لـ”سبوتنيك” تفاصيل تأهيل الكوادر المصرية لقطاع الطاقة النووية
مصرع شخص وإصابة 3 آخرين في حادث تصادم
4 أيام على ذمة التحقيق لقاتل مسن أسوان
مصر.. محاكمة عاجلة لـ4 عمال بالسيرك القومي بسبب “حمير حية” وحيوانات مفترسة
صلاح ثالث هدافي ليفربول التاريخيين
«أون سبورت» تنقل مواجهات منتخب مصر في تصفيات كأس العالم
التعاون الدولي :نمو أداء الاقتصاد المصري 4.6% خلال العام المالي المقبل يونيو 2026
التخطيط والتعاون: 298.3 مليار جنيه الاستثمارات بالمرحلة الأولى من مبادرة حياة كريمة
في يوم المرأة.. رسالة عاطفية من كريستيانو رونالدو لـ 6 سيدات فمن هن؟
رافعا العلم الفلسطيني لمدة 16 ساعة.. رجل يتسلق برج ساعة “بيغ بن” في لندن
“كورونا أم إنفلونزا؟”.. مسؤول صحي مصري يعلق على انتشار إصابات فيروسية

‏”الخذلان” القيمة المهيمنة في ‏ ‏”ثلاث نساء في غرفة ضيقة”‏

بقلم دكتورة / أماني فؤاد

ما هو الخيط الناظِم لنصوص المجموعة القصصية: “ثلاث نساء ‏في غرفة ضيِّقة” للكاتبة (هناء متولي)، الإصدار البالغ 24 قصة ‏قصيرة، والصادر عن مجموعة بيت الحكمة 2025 ؟
هل هو تحكُّم الرجال في المرأة، وحصْرها في صورة محدَّدة، ‏اختيارهم أن تعيش وفْق إرادة الرجُل، وما يضعه لها من حدودٍ ‏وأوامرَ، رسْمه لمصائرها نيابةً عنها، هل هو قهْر المرأة، قهْرها ‏باستغلال طبيعتها التي خُلقت عليها، رغم تميُّزها؛ رَحِمها وتبعاته ‏التي تتركها ضعيفة نسبيًّا، وهشَّة في نظر الوعي الجمعي، ‏وحاملة للمسئولية بمفردها، حين يقع على عاتقها أيُّ فِعل غير ‏شرعي؟
أم أنه الخذلان بمعناه الواسع؟
تعرِض القاصة – من خلال مجموعتها – لهموم النساء ‏ومشاكلهن في مجتمعات أبوية، ذات ثقافة جمعية تُعلي من شأن ‏الرجُل، ثقافة موروثة طالما تعامَلت مع المرأة بحُسبانها معطًى ‏للرجُل، لمُتعته والإنجاب له، وبقاء اسمه، لخدمته والذوبان التام ‏في محيطه، سواء حدَث هذا بالتراضي، وتغافَل النساءُ عن ‏حقوقهن، أو بالتعدِّي على إنسانيتهن وجسدهن وأرواحهن، حين ‏يشعر الرجُل ببادرة تمرُّد من المرأة.‏
ــ ويَظهر تميُّز هذه المجموعة من كونها، تتجاوز تجربة القاصة ‏الذاتية إلى تجربة مجموع النساء، كل واحدة بحسب حكايتها، ‏تعرِض في كل نَصٍّ لأنواع مختلفة من هذه الحكايات، والمواقِع ‏المختلِفة التي تتشكل فيها علاقة الرجُل بالمرأة، الرجل: الأب ‏والأخ، والحبيب، والزوج، والخال، والكاتب الرجل، والأم أحيانا، ‏والجموع، حتى الإنسان الآلي الرجل، وهنا أضيف للكاتبة أيضا ‏والكثير من النساء الكاتبات التي تكتب بمنطق الثقافة الذكورية. ‏
تميُّزها الفعلي أيضًا في أنها تتضمن روح التمرد الشاملة، الفكري ‏والفني، تمرُّد نسائي يعي حالته، ويَشِبُّ عن الطوق، عن الظلم ‏والتعدي، بوح بجرأة، لكن دون ابتذال، ويُنذِر بأنه سيفعل، إنه لن ‏يقف صامتًا، بل يمكنه المواجهة بقوة، فِعل الكتابة ذاته مواجهة ‏عميقة.‏
ــ الكثير من قصص المجموعة تحمل مآسي حقيقية، قصص ‏تحدث بالواقع لكن يتم التعتيم عليها تحت دعاوى الستر، حكايات ‏عنيفة تجسد الميلودراما المريرة، بعضها الآخر قصص عادية ‏ويومية لكنها الحياة المتكررة، الآلية التي تعاد بها كل اللحظات ‏دون روح، وهي تحمل مآسيها أيضا، وتترك بالأرواح الغربة ‏والوحدة والمرارات.‏
ــ تستطيع هذه المجموعة القصصية خلق عالم خاص، أجواء ‏معينة تفارق الواقع، أو تهبه غلالة خاصة، تبطن الأحداث بما ‏يترك شعورا يتسق وعالم القصص وأحداثه.‏

ــ تنوُّع بنْية القصص ومَيْلها للتجريب ‏
كما أن التميز الحقيقيَّ – من وجهة نظري – يتجسد في تقنيات ‏البنْية الفنية، التي تبتكرها وتختارها القاصة في عرْض كل قصة ‏وحكاية على حِدَه، وقصدية التنوع هذه ليست من السهولة بمكان، ‏إلا لكاتبة متمكِّنة من استيعاب أدواتها الفنية، وتمارِس التجريب، ‏والإيحاء، والإيهام، وكسْر التوقُّع بمهارة. كما أن الكاتبة تستخدم ‏التقنية الواحدة مثل الزمن مثلا بتنوع فريد في تشكيله. ‏
في بعض القصص، مثل “المرأة ذات المؤخِّرة السمينة” (113)، ‏تراوِغ الكاتبة البنْية الزمنية، فتبدأ القَصَّ بعنوان فرعي: “النهاية”، ‏ثم “ما بعد النهاية”، ثم تكرار لــعُنوانات فرعية أخرى مثل: “ما قبْل ‏النهاية”، الذي يُعاد خَمْس مرَّات، وقد نتساءل ما الهدف من هذه ‏البنْية الزمنية؟ هل البداية بالنهاية لإلقاء الصدمة في قذيفة واحدة؛ ‏لجذْب القارئ، ثم يتوالَى القَصُّ ليشرَح تردُّدات القذيفة، والموقِف ‏المحيط بجريمة القتل للسيدة الجميلة، أم لأن جميع الرجال – ‏الذين على علاقة بالسيدة المقتولة – متَّهَمون، ودوافعهم متساوية، ‏أم لأن القاصة – من خلال التقنية الكتابية وعنواناتها – تريد ‏الإشارة لتعقُّد العلاقات البشرية في المجتمع المعاصِر وملابساتها ‏الاستهلاكية، وغرائزيتها فقط، والإشارة أيضا لآثار الافتقار ‏لمشاعر حُبٍّ حقيقيٍّ في العلاقات؟
علينا الانتباه أيضًا لإشارات تتعدَّد طيلة القَصِّ المكثَّف، الذي ‏يناسب بنْية القصة القصيرة مشدودة الأطراف، فهناك الفستان ‏الأسود القصير، الذي يُبرِز مؤخِّرَتَها الفاتنةَ، ووجْهها الأسمر، ‏الذي تعلوه طبقات كثيفة من مساحيق الزينة، هاتان الإشارتان ‏دلالتان على طبيعة المرأة النفسية في النَّص، ورغبتها في جذْب ‏الانتباه، وطريقة رؤيتها لِذَاتها، وكيف تتعامل مع نفسها كسِلعة. ‏كما أن تحت كل عنوان في “ما قبْل النهاية”، ترسُم الكاتبة المشهَدَ ‏العام لحياة المرأة بكامل كادراته المختلِفة، تلك الإحاطة التي تحلِّل ‏مُلابساتِ الجريمة وخلفيَّاتِها؛ أوَّلها: رجُل يبدو كشبح يندفع نحو ‏المرأة ويحتضنها، في ومْضة خاطفة تسقط نحو الأرض، الثاني: ‏الزوج التشكيلي، ومواجهة فتاةٍ، يرسمها، له بخيانة زوجته، ‏الثالث: أحد عشاق المرأة التي قُتِلت، وهو في حوار صادم مع ‏رجُلٍ آخَرَ في غرفة البخار، الرابع لفتًى يبدو عليه الهوَس ‏والاضطراب، يلوم نفسه في منولوج داخلي، فنان فوتوغرافي ‏مستعِد للموت من أجْلِها، لكنه يشعر أنها أهانته؛ ويتوعَّدها بالألم، ‏في خامس عنوانات “ما قبْل النهاية”، رجُل ضخم الجثة، ورجُلٌ ‏آخَرُ مثله، يذهبان إليها من أجْل متعة إضافية في غياب زوجها، ‏ربما تتم تلك المَشاهد في نفْس الوقت، وربما في أزمنة متعدِّدة، ‏لكن تأتي كلُّها في القَصِّ تحت العنوان الذي يتكرر “ما قبْل ‏النهاية”، وهنا تفتح القاصة الزمنَ في الماضي على مصراعَيه، ‏كما تفتح ملابساتِ الجريمة وتعقُّدَها، كما طبيعة تعقُّد العلاقات ‏المعاصِرة.‏
نهاية الرواية معنوَنة بــ “البداية”؛ هذه البداية، وهذا الكادر مع ‏شاب تحِبه المرأة، وتبكي من أجْله، تقول: “لا تتركني.” هذه البداية ‏هي التي استدعت ضياع المرأة، وتراتَب عليها كلُّ تلك العلاقات، ‏التي قوامها الغرائز والجنس، لا الحب والتواصل الصادق؛ حيث ‏الخصوصية الإنسانية. وفي دائرة البنْية الدالة ذاتها، وفي نفْس ‏هذا المعنى تدور قصة “سقوط حر”، حيث تتذكَّر البطلة: “في ‏الماضي كانت مفتونة بحبيبها للغاية، حتى أنها سقطت تحت ‏قدمَيه، وطلبت منه ألَّا يتركها..”أعدُك بإصلاح كل شيء يغضبك ‏مِني.. فقط ابْقَ معي ولا ترحل.” (67)، لكنه رحَل وتركها لتجربة ‏زواج بائسة، ثم مِيتة شنيعة.‏

إن توظيف القاصة لتقنيات الزمن الانتقائي، الذي يبتعد عن ‏الخطية والتوالي، واللعب بالعناوين وتكرارها، واستخدامها لتقنية ‏المونتاج السينمائي، أي ما يمكنني تسميته بحشد التقنيات ‏والآليات الحكائية في “كولاج سردي” غني فنيا، هو ما استطاع ‏جعَل البنْية مشوِّقة، وبحاجة للمتلقي المشارك، الذي يصبر على ‏النص، وهو أيضا ما يهب النص قدرته على الحفْر في أبعاد ‏اجتماعية ونفسية، وخاصة حين يخذل الحبيبُ المرأةَ لظروف ‏مختلفة.‏
في قِصَّتها: “الخامسة مساء”، تكتب القاصة عن يوم وساعة ‏مشئومة، عن يوم 22 مارس، في الساعة الخامسة، وكيف تتكرر ‏فيهما الحوادث الغرائبية، التي تترك البؤس والتعاسة في نفوس ‏شخصيات قِصَّتها المتعدِّدين، الذين لا يربطهم سوى الاشتراك في ‏خوض هذا اليوم والساعة، الزمن الذي يشبه الثقب الأسود. كما ‏ترسُم القاصة المَشاهد كما في تقنيات المسرح، ويتجلى هنا بطَل ‏النَّص أيضًا الزمن، اليوم المحدَّد والساعة المحدَّدة.‏
ــ تتشكَّل بداية نَصِّ “يوميات امرأة تشرب خَلَّ التفاح” بقول ‏القاصة: “تحديث حالة على الفيس بوك”، ثم تكتب وصْفة لجعْل ‏الشَّعر أكثر نعومة ولمعانًا، ثم تَمَّ النشر، يليها من يخبرك – على ‏إعدادات الفيس بوك – أنك قُمت بتحديث الحالة. بعدها تعنوِن ‏الكاتبة فقراتِ القَصِّ بورقة اليوميات، في كل يوم، في تمام ‏الساعة الثالثة تكتب شيئًا عن نفسها، تقول في ورقة الاثنين مثلا: ‏‏”أنا نادرين ابنة ناهد ابنة حنة ابنة حواء، أنا نادرين، الجنين الأقل ‏حظًّا، الذي خُلِق بفَرْج ومبيضَين.” (105) وتستخدم القاصة – ‏لبنْية هذا النَّصِّ – مصطلحاتِ مكرورةً في وسائط التواصل ‏الاجتماعي وتقنياته، مثل: تحديث الحالة على الفيس بوك، ‏والنشر وغيرها، ففضلًا عن استعارة التقنيات الأكثر حضورًا في ‏لحظتنا الراهنة، التي يعيش فيها الأفراد بشكل كامل على وسائط ‏التواصل الاجتماعي، تعضِّد هذه التقنيةُ استغراقَ البطلة، مذيعة ‏برامج الطبخ والشئون المنزلية في نسوية تكرهها. كأنه حصار من ‏الطبيعة الجسدية، ومن واقع العمل والحياة.‏
وتبرُع القاصة في إلقاء الإشارات المبهَمة الشفيفة، التي قد تُأوَّل ‏إلى ضيق شخصية القَصِّ (نادرين عطية)، من كونها خُلِقت ‏أنثى، من عملها، من زواجها من رجُل لا تحبه، تقول: “أنا نادرين ‏عطية، أحمل عَقدي الرابعَ فوق ظهري المقوَّس، أتخفَّف كل مساء ‏من سروالي الداخلي، وحمَّالة صدري، أباعد بين ساقَيَّ كما ينبغي ‏للبؤة تستقبل قضيبًا عَفِنًا تتقزز منه.” (104)‏
تكرار أنا نادرين عطية في كلِّ مَرَّة؛ يضيف بُعدًا من أبعاد ‏الشخصية الخارجية أو الداخلية، ومدى السخط الذي تشعُر به ‏تُجاه الجميع، حتى أُسرتها. هذه التقنيات التي تتكرر في السرد ‏وتكرار الجمل، تضع المرأة في تصور الروبوت الآلي المنتزع ‏الروح.‏
ونستكمل بالمقال القادم.‏

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net
موقع الرسالة العربية