عاجل

المنتخب البرتغالي يتوج بلقب دوري الأمم الأوروبية بعد انتصار مثير على نظيره الإسباني بركلات الترجيح

# قراءة في وصية أم لابنتها عند الزواج 2025‏

بقلم دكتورة / أماني فؤاد

توارثت مجتمعاتنا وثقافتنا وصية امرأة أعرابية، تُدعَى (أُمامة بنت الحارث)، ‏توصي ابنتها، بعشْر خصال قبْل الزواج، وأتذكر أنها كانت ضمن النصوص ‏التي درسناها في المرحلة الثانوية، قالت الأم في نصائحها: “كوني له أمَةً؛ يكُن ‏لك عبدًا، الخضوع له بالقناعة وحُسن السمع والطاعة، لا تقع عينه منك على ‏قبيح، ولا يشمّْ منك إلا أطيب ريح، التفقد لوقت منامه وطعامه، وحفْظ ماله ‏ورعاية عياله، لا تعصي له أمرًا، ولا تُفشي له سِرًّا، وإياكِ والفرح بين يدَيه إن ‏كان مغتمًّا، والكآبة بين يدَيه إن كان فرِحًا”.‏
ماذا لو تأمَّلنا في 2025 هذه الوصايا والخصال، التي تدعو الأم ابنتها للتحلِّي ‏بها، لتجربة زواج ناجح، ماذا لو انطلقنا بها من مساحات أخرى، من قِيَم ‏ومعانٍ ودلالات أكثر إنسانية ومعاصَرة، مساحات تليق بعلاقة حقيقية ناضجة ‏بين المرأة والرجُل؟
وأود الإشارة إلى أنه من المدهش لديَّ أن يدافع الكثير من الرجال والنساء عمَّا ‏وَرَد في هذه الوصية، باعتباره سيكفُل علاقة مريحة بين الزوج والزوجة، بالرغم ‏من تاريخية هذا النَّص، وأن هذه المقاييس في العلاقة لا يمكن أن نتقبَّلها إلا ‏ضمن مقتضيات ثقافة امرأة عاشت منذ قرْن ونِصف.‏
وهنا تنطلق مجموعة من الأسئلة، أودُّ طرْحها مع القراء: هل منطقة العبودية – ‏المرأة الأَمَة أيْ الجارية، والرجُل العبد – هي المساحة الأنسب لوصف العلاقة ‏بين الزوج والزوجة!؟ أحسَبُ هوانَ وهشاشة هذه المنطقة، لو أردنا التمتع ‏بعلاقة ناضجة بين زوجين أو حبيبين، فحتى بافتراض أن الأعرابية استخدمت ‏مجرد تعبير مجازي؛ علينا تسويد هذه المنطقة تمامًا، ومحوها، ففي مساحات ‏أخرى تمامًا تنمو علاقة الزواج، حيث مظلة شاملة من الحب، الذي لا يشوبه ‏رغبات السيطرة ولا تحكُّم طرف بآخَر، فالقدرة على التواصل، والاستماع إلى ‏الطرف الآخَر، والصداقة، مقومات أساسية لتفتُّح علاقة الرجُل بالمرأة، والمرأة ‏بالرجُل، واستمرارها، لا مساحات العبودية، وفرْض الرأي، والانفراد بالقرار، فتلك ‏المساحات الأخيرة لا يتوالد فيها إلا رغبات الانتقام من الطرف المستضعَف، ‏والعيش كرهًا.‏


وأعني – في المساحات التي أقصدها – سيادة المحبة، التي تترك مساحات ‏الود اللطيف والتفاهم الحُر، منطقة تحتضن قيمَتَي الرعاية والاحتواء، عكس ‏العبودية والانصياع تمامًا، نستهدف مناطق التلاقي الحقيقي، التي لا يخشى ‏فيها طرف من آخَر، بل يحافظ كل منهما على اختيارات الآخَر، يشجعه، ‏ويساعده على أن يحقق كلٌّ منهما ذاته، ويقبض على حلمه.‏
ولعلنا هنا نتساءل في ظِل تطورات حياة المرأة وتعليمها وعملها، وإمكانية ‏كفايتها المادية لنفسها، وعدم الاحتياج المباشر لرعاية الزوج بصور الدعم ‏المختلفة، حيث تتزايد هذه الحالات كل يوم بين النساء هروبًا من تحكمات ‏الزوج، ومعايير وعي جمعي مجتمعي عام، تضع المرأة في مكانة التابع المتحكَّم ‏فيه، هل يمكن في ظِل تطورات المرأة وقدرتها على الاستقلال أن تستغني عن ‏الرجُل؟ أم أن عطاء الرجُل للمرأة، والمرأة للرجُل يظَل جميلًا، يهَب مذاقًا للحياة ‏وشغفًا، يحقق لهما معًا دعمًا وسعادة. حالة احتضان أفضل كثيرًا مما لو كان ‏كل فرد منهما بمفرده، تستطيب المرأة أن يشملها الرجُل بعطائه وكَرَمه، بحَدَبه ‏عليها، مهما امتلكت واكتفت، كما أن طبيعة الاحتواء والعطاء تُشعر الرجُل ‏بخصائصه الفطرية الطبيعية، فيسعد ويشمل المرأة بحَدَبه عليها، وأحسب أن ‏بعض النساء يتجاهلن هذه الفطرة الجميلة في الرجُل خوفًا من أن يفتح هذا ‏بابًا للسيطرة، فيصرِّح بعضهن – بتطرُّف – إنهن في استغناء عن عطاءات ‏الرجُل، وهنا يعتاد الرجُل ألَّا يَهَب، وألَّا يشملها بالرعاية والدعم، ثم ينسحب مع ‏الوقت من مسئولياته تمامًا، ويعتاد الحياد.‏
العلاقة بين الزوجين أو الحبيبين تتمدَّد في منطقة تكامُل الأدوار وتبادُلها، ‏بحسب احتياج كل منهما، ولا ينبغي لها أن تقع في منطقة الندية، ولا استعلاء ‏أحدهما على الآخَر، ولا رغبات التسيُّد، فنحن لسنا بصدد مناظرة، ولا حرب ‏تكسير عظام.‏
وفي تقديري إنه مع تحديث أوضاع المرأة وعصرنتها، علينا الاشتغال العميق ‏على وعي المرأة، وتجاوُز تطرُّفها، سواء في احتياجها للرجُل بنوع من الاعتماد ‏الكلي أو استغناء بعضهن المتطرِّف عنه، عليها أن تعتاد – حين تستطيع – ‏جَمال أن تعطي الرجُلَ، أن تشاركه مسئولياتِ الحياة، لا أن تأخذ وتنتظر فقط، ‏فحالة العطاء ذاتها تُغني مشاعرنا، وتُشعر الرجُل بتقدير المرأة له، تُشعر ‏الطرفين بالمسئولية المشترَكة، العطاءات بأنواعها كافة المادية والمعنوية. ‏
تشعُر المرأة التي تعشق رجُلًا بجَمال عطائه، تمتن له – لو شعرت إنه يحتويها ‏بالمحبة بكل صورها – بالعناية به، الأجمل حين تشعُر أنه لا يَرِد على خاطره ‏السيطرة عليها، أو التحكم في مسارات حياتها، فتلك منطقة الود الحقيقي ‏والثقة، فكلَّما انطلقت أنسام الحرية والتعبير عن الذات في العلاقات بين البشر؛ ‏كلَّما ازدهرت تلك الأواصر بين الطرفين، وتذوَّقا حلاوة التقدير المتبادَل.‏
منطقة أخرى تمامًا تختلف عن “الخضوع له بالقناعة وحُسن السمع والطاعة”، ‏ما ينبغي توافُره بين الزوجَين. فكم هي رائعة منطقة الأمان، التي تنشُدها المرأة ‏مع الرجُل، الاستكانة إليه، والتظلل تحت أجنحته، حيث الصحبة الذكية ‏الحانية، ولا أتصور أن تتأتَّى تلك العلاقة المنشودة بالخضوع، والسمع ‏والطاعة، بقدْر تحقُّقها حين تشعُر المرأة بأن الرجُل – الذي معها – رجُلٌ ‏حقيقيٌّ، سندٌ يدعمها، يدرِك معنى مشاركة الحياة، يعي أنه ارتبط بذاتٍ حُرة، ‏وأن مراعاة حريتها واستقلاليتها يجعلها أكثر تفتحًا وحرصًا عليه، رجُل يُدرك أن ‏حوارَ العقل والوجدان أجملُ من فرْض الأوامر، فلن يسعَد الرجُل في علاقته ‏بزوجته، ولن تَهَبَه أجملَ ما لديها وهو في موقع الآمِر الناهي، إنها منطقة ‏الحوار، وأن يتقبَّلا فيها إضافة كل منهما للآخَر، أجمل كثيرًا من خضوع طرف ‏من طرفَي العلاقة، والتي غالبًا ما تكون المرأة ضحيتها.‏
التلاقي في بعض وجهات النظر، وبعض نقاط ومحاور العيش يؤسس للسكن، ‏وحين يظهر الاختلاف – وهو حتمًا سيظهر – يَظَل يجمع الطرفَين احترامُ ‏الآخَر، لا الرغبة في أن يكون الطرفُ الآخَر صورةً منه، منسحِقًا ضمن إراداته، ‏وإلا سيحدث القمع، مساحة الحرية والتواصل لا تجعل امرأة بلغَت ثمانين عامًا ‏تطلب خُلعًا من زوجها، حتى لو ماتت غدًا، كما ذكرت. ‏
علينا أنْ نلاحظ أنَّ موقعَ المرأة – في هذا النَّص؛ لتاريخيته – مستقبِلٌ فقط، ‏موقع الخانع، وليس موقع الفاعل الإيجابي، حيث مساحة الخضوع وحُسن ‏الاستماع إليه والرضا بكل ما يصدُر منه. ‏
أفهم أن يفسَّر الخضوع هنا في مساحة التواصل والحنو، التدلل من المرأة، ‏والاحتواء من الرجُل، فتلك طبيعة الطرفَين، ربما الفطرة التي خُلِقنا بها، أو التي ‏أوجدتها طبقات موروثة من الوعي الثقافي المجتمعي، شُكِّلت طبيعة المرأة ‏هكذا، وطبيعة الرجُل على هذا النحو، التدلل والاحتواء لا يظلِّل العلاقة بين ‏الطرفَين إلا إذا شَعَرا إنهما وِحدة، كيان واحد، رغم احتفاظ كل طرف ‏بخصوصيته.‏
يَسعَد الرجُل – بلا شك – باهتمام المرأة به، كما ذكرت أمامة: “التفقد لوقت ‏منامه وطعامه، وحفْظ ماله، ورعاية عياله”، لكن الحياة الحديثة، وفي ظِل عمل ‏المرأة، وكثرة مهامها خارج البيت وداخله، تجعل الرجُل يدرك أن مشاركة مهام ‏الحياة والأُسرة مع المرأة دلالة على رجولته المستوعِبة الذكية، ونُضجه ‏الإنساني، كما أن الجَمال أن تأتي هذه المبادرة منه لرعاية زوجته، للتخفيف ‏من قدْر مسئولياتها في حياتهما المشترَكة.‏
وحين تقول السيدة أمامة: “لا تعصي له أمرًا ولا تُفشي له سِرًّا، وإياكِ والفرح ‏بين يدَيه إن كان مغتمًّا، والكآبة بين يديه إن كان فرِحًا”. أحسب أن الأم الفَطِنة ‏في 2025 ستستعير قول نزار قباني، وتقول لابنتها: “لا تقفي مثل المسمار”، ‏أعني لا تتركيه مهمومًا، بل حاولي إسعاده والتخفيف عنه، كوني ذكية وفاعلة، ‏لا تكتفي بموقف المستقبِل فقط، فابتسامة المرأة المُشرِقة تُبهِج الروح، وتبدِّد ‏الوحشة والهموم والغربة. بادري بصُنع الجَمال، اللحظات الحلوة المكتنزة ‏بالمحبة والتواصُل الرائق الممتع.‏
أما فيما يتعلق بالجَمال والنظافة، فأتفِق مع السيدة على الإطلاق، فجَمال المرأة ‏وأناقتها، رائحتها العطرة، تُسعد الرجُل، تجعله يبقى في حدائقها، لكنني هنا ‏أضيف أن الشكل الخارجيَّ غيرُ كافٍ، فإن وَجَدَ الرجُل جَمالًا داخليًّا، ووعيًّا ‏ذكيًّا، وامرأة يستطيع الحوار معها؛ سيهتم برأيها لرجاحته، ولن يمَل منها ‏سريعًا؛ وعي المرأة وثقافتها وجَمالها الداخلي ينعكس على جَمالها الخارجي، ‏كما يُبرِز عمقَ روحِها وصفاءَها وثقافتَها. ‏
ولعلنا نتساءل ما هو المعنى الحقيقي لأن تكون جميلًا؟ الجسد والمنظر ‏الجميل والرائحة العطرة أول الأبواب التي لابد وأن تنفتح على أبواب أخرى أكثر ‏اتساعًا، جَمال العقل الرَّحب، والوعي المثقَّف الذي يستوعِب الحياة بغِناها ‏وتعدُّدها.‏
كما يَرِد – في الموروث الاجتماعي المصري والعربي – الكثيرُ من الأمثال ‏الشعبية وبعض المقولات، التي نرصد فيها توجُّس كل طرف من طرفَي العلاقة ‏الزوجية من الآخَر، سواء النساء أو الرجال، ففي الأمثال الشعبية تضع المرأة ‏الفخاخ للرجُل، تنظر إليه من موقع الملكية، وبكل الطُّرُق عليه أن يظَل في ‏فَلَكِها هي وأولادهما، كما يشكِّك الرجُل في قدراتها ويستخف بها، ويصوِّرها ‏أحيانًا كيانًا يضمِر شَرًّا، التوجس الذي ترسَّب في الوعي الجمعي، وترْك منطقة ‏عداء مبهمة. ‏
فنجد أمثال بين النساء من قبيل: “قصقصي ريش طيرك قبْل ما يلوف على ‏غيرك”، و”يا مآمنة للرجال يا مآمنة للمَيَّة في الغربال” و”ضِل راجِل ولا ضِل ‏حيط”، و”جوزك على ما تعوِّديه وابنك على ما تربِّيه”، و”اغلبيه بالعيال؛ يغلبك ‏بالمال”، و”الراجل ما يعِبُوش إلا جِيْبُه”. تترك هذه الأمثال في وعي النساء ‏الجمعي بعض العداء للرجُل، واعتباره خائنًا وبلا أمان، كما أن ماله هو الأهم، ‏حيث يمكِّنه من تعدُّد الزوجات، لذا تأتي القصقصة واجبة. وأحسب أن النساء ‏يخسرن كثيرًا إذا كان هذا المنطق النفعي هو مُنطلَقهن للتعامل مع الرجُل، ‏وأحسب أن كيان الرجُل المحِب هو أهم الهدايا التي يمكن أن تحصل عليها ‏المرأة.‏
وعلى المرأة أن تدرك أن الرجُل يريد أن يشعُر بالتقدير ممن يعيشون معه، ‏ويبذل من أجلهم، التقدير لشخصه قبْل عطاياه، لإنسانيته واحتوائه لعائلته، ‏لكونه الكيان الذي يحتضن الجميع: امرأته وأولاده ووالدَيه.‏
كما نجد أيضا أمثالًا تحُط من شأن المرأة، مثل: “ادبَح لها القطة”، و”شُورة ‏المرأة بخراب سنة”، و”اكسر لها ضِلع يطلع لها 24 ضلع”، و”يا مخلِّفة البنات ‏يا شايلة الهَم للمَمَات”، “اللي يقول لمراته يا عورة؛ يلعب بيها الناس الكورة”. ‏فالرجُل في هذا الوعي هو القادر على أن يُكسِب المرأة الأهمية، أو ينزعها ‏عنها، كما أن التفكير وصلاح الشأن والقيمة الإنسانية والعملية تضفيها الثقافة ‏الشعبية على الرجُل وتحرم منها النساء. ولذا يتعين علينا تفكيك وخلخلة تلك ‏المفاهيم وإعادة طرْحها بما يتفق مع العصر الذي نحيا فيه.‏

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net
موقع الرسالة العربية