كتب د / حسن اللبان
صمت تاريخ مصر القديم وآثاره حتى الآن عن ذكر حادثة “خروج العبرانيين” من أرض مصر التي ورد ذكرها في سفر الخروج في الكتاب المقدس وبعض آيات القرآن، كما صمتت النصوص الدينية المقدسة عن ذكر اسم هذا “الفرعون” الذي حكم مصر وعاصر النبي موسى، الأمر الذي أثار شغف الكثير من علماء تاريخ مصر القديم ودفعهم إلى تسخير كل ما لديهم من معلومات تاريخية لوضع فرضيات لعلها تفضي إلى حل هذا “اللغز” وتحديد شخصية هذا الملك “المجهول” إلى أن تبدو في الأفق أدلة أثرية جديدة تحسم الجدل بينهم.
في عام 1976 استقبلت قاعدة “بورجيه (دويني)” الجوية في العاصمة الفرنسية باريس مومياء الملك رعمسيس (رمسيس) الثاني، التي وصلت على متن طائرة عسكرية فرنسية من طراز “بريجيه” ذات الطابقين، وأقيمت لها مراسم استقبال رسمية مهيبة بحضور مبعوثة الرئيس الفرنسي في ذلك الوقت، وقائد القوات المسلحة الفرنسية، وسفير مصر في باريس، وبمشاركة الحرس الجمهوري الفرنسي، وعزف الموسيقى العسكرية، قبل أن تستقر المومياء في “متحف الإنسان” في قلب العاصمة، تمهيدا لإجراء عملية ترميم لها على يد نخبة من العلماء الفرنسيين بسبب “فطريات أصابتها”.
كان الرئيس الفرنسي قد نجح في إقناع الرئيس المصري وقتها، محمد أنور السادات، بإرسال مومياء الملك إلى باريس لإجراء فحوص علمية، من بينها الكشف عن مزيد من أسرار حياة الملك ومعرفة أسباب وفاته، لاسيما وأنه توفي في سن كبير وكان يعاني من أمراض الشيخوخة.
وعلى مدى سبعة أشهر كاملة، من 26 سبتمبر/أيلول 1976 وحتى 10 مايو/أيار 1977، استقبلت باريس “ضيفها الجليل”، كما وصفته العالمة الفرنسية البارزة مدام كريستيان دي روش نوبلكور في دراستها “رعمسيس الثاني. القصة الحقيقية” مضيفة أنه “خُصصت للفرعون قاعة كبرى معقمة، ومن أجل التوصل إلى كشف الفطريات والبكتريا المهاجمة للمومياء الملكية، ووضع خطة لإنقاذها (المومياء) .. عمل رئيس متحف الإنسان على حشد نحو 120 مساعدا له، تطوعوا جميعا لأداء هذه المهمة، من بينهم 63 باحثا علميا في مختلف التخصصات”