بقلم / يامنه بن راض
يقال ليس للبطن الجائعة أذن تسمع، بيدا أن للبطون الجائعة لأهل غزة هاشم آذان تسمع فتصبر وأفواه تحمد الباريء عز وجل على هذا الإبتلاء البغيض، ولم يسقط أصحابها في بئر العنف والإنتقام كما استغرب الصحابي الشهير ” أبا ذر الغفاري” ذات زمن حين راح يتساءل ” عجبت لمن لم يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه”، تلك العبارة العميقة التي تؤكد على شدة وطأة الجوع على بني البشر، وها نحن اليوم نعيش على وقع كارثة المجاعة بكل مقاييسها المؤلمة والمروعة في غزة التي يكابد سكانها منذ اكثر من خمسة أشهر نيران محرقة صهيونية لم تبق ولم تذر من البشر والشجر والحجر ، وبين أتون العدوان الهمجي وانعدام الغذاء تنهار أجساد الغزاويين فمن لم يمت بالقصف النازي مات جوعا على ما يبدو ، وهي المجاعة القاسية فإن حضرت فتكت وكيف لا تفتك بالأطفال والنساء والشيوخ في تلك البقعة من أرضنا العربية الاسلامية المحتلة والعالم المنافق الذي لا تحركه الا المصالح لا يحرك ساكنا ولا مغيث لهم حتى من الشقيق القريب الذي آثر التفرج هو الآخر …
يقول الكاتب الساخر ” محمد عفيفي” إذا مات رجل من شدة الجوع فهذا لا يرجع الا شيء سوى أن رجلا آخر قد مات في نفس اللحظة من فرط الشبع ، ولعمري إنها الحقيقة الصادمة ، فلا ريب أن موت أهل غزة المنكوبة والمحاصرة المعتدى عليها من قبل الإجرام الصهيوني جوعى في ظل احتضار ما تبقى من إنسانية شوهاء واندثار للشهامة العربية ، يرجع الى تلك التخمة المقيتة التي أتلفت أجسام المترفين والأثرياء من العرب والمسلمين ..ولو كان الضمير العربي حيا لما حصل ذلك دون أدنى شك، ولو كان هناك قائد مسلم يمتلك بعض عدل عمر الفاروق لما كانت تلك النهاية المخزية لأطفال غزة ..ذلك الخليفة العادل الذي سمع يوما صوت بطنه من شدة الجوع فقال لها ” قرقري أو لا تقرقري والله لن تشبعي حتى يشبع أطفال المسلمين ” ما أعظم هذا الرجل فأين قادة المسلمين من أخلاق عمر وشهامته وأطفال غزة في معركة يومية طاحنة مع الأمعاء الخاوية التي تأخذ بأنفاسهم في نهاية المطاف ..قد لا يجود الزمان برجل آخر كعمر رضي الله عنه إلا إذا كان أمر الله مفعولا ، لكننا نتمنى رجلا يأكل ويشبع وينعم من أطايب الأكل لكن لا ينسى الجياع في غزة وغيرها من بلاد الله ..
وإذا كان الراحل مصطفى محمود يقول” مطاريد اليهود من بلاد الجوع، يريدون أن يأكلوا على موائدنا ” فإن اليهود الصهاينة أكلوا فعلا على موائدنا العربية حتى التخمة بعد أن استولوا على الأرض وأشجار الزيتون وحقول البرتقال بالسلاح و القتل، غير أن بعض بنو قومنا من العرب هم من فتحوا الطريق أمام نهبهم وجشعهم ولصوصيتهم بحجة العجز والمهادنة والرغبة في السلام فهل توقفت أطماع الصهاينة الأنجاس وهل جنحوا الى السلام ؟؟! ..
إن مجاعة النفس أسوأ مرات عدة من مجاعة الأكل ولأننا كأمة عربية مسلمة فقدنا بوصلة أخلاقنا ومبادءنا ونحرنا مروءتنا على رؤوس الأشهاد تمكن الجوع من أطفال غزة وأرداهم جثثا هامدة تنتظر دورها لتوارى في حفر المقابر الى جانب شهداء الغارات الصهيونية الأمريكية الوحشية ..وعليه فإننا نتحمل الجزء الأكبر من تلك المسؤولية التي ستكون عظيمة يوم الحساب عند رب السماوات والأرض ..
ونحن نعيش الأيام المباركة من الشهر الفضيل، وتحمل موائدنا الرمضانية ما لذ وطاب ..نأكل وننعم ..فليت قلوبنا تزدان بالرحمة و هي الجوهر الحقيقي لشهر رمضان. فنتذكر إخواننا الجوعى في غزة ونتدبر كيف يمكننا إجلاء محنتهم عنهم .