كتب د / حسن اللبان
فيلم “الرجل الثاني” إنتاج 1959 من إخراج عز الدين ذو الفقار
من أهم أفلام السينما المصرية اللي جمعت بين الأكشن والتشويق والرومانسية بطريقة مشوقة جداً ، وكمان بيعكس عالم الجريمة من خلال نظرة سينمائية واقعية ومبنية على تفاصيل
قصة الفيلم بتدور حوالين عصمت كاظم، الرجل الثاني في عصابة دولية لتهريب العملات بين القاهرة وبيروت، وده الدور اللي قدمه رشدي أباظة ببراعة، و حسسنا بدهشة ونوع من الغموض حوالين شخصية الرجل الأول اللي مفيش حد يعرفه.
الفيلم كمان فيه بُعد إنساني ودرامي واضح من خلال علاقة عصمت بابنته وعشيقته سمره، واللي بتكشف صراعات داخلية قوية جوه الشخصيات، خصوصاً سمره اللي حاولت تحمي نفسها ومكانها وسط حياة العصابة، وده بيعكس التوتر النفسي والاجتماعي في حياة الناس اللي متورطة في عالم الجريمة.
رشدي أباظة هنا قدم آداء من أقوى الآدائات التمثيلية في السينما المصرية، حرفياً كل حركة وكل نظرة وكل كلمة كانت محسوبة بدقة، حضوره على الشاشة كان ساحر وقوي، وده اتضح خصوصاً في مشاهد المواجهة واللحظات اللي كان فيها عصبي أو محتاج يفرض هيمنته. الانفعالات عنده كانت حقيقية جداً ، من غضب لحنان، من قوة لسكون، حتى طريقة نطقه للكلمات كانت بتحمل وزن الشخصية ومشاعرها، مش مجرد كلام عادي، لكن كلام بيتنفس ويعكس كل الطبقات النفسية اللي جوه الشخصية.
سامية جمال كمان قدمت آداء ممتاز في دور سمره، الحزن والغضب والحب كانوا واضحين في كل حركة وإيماءه، خصوصاً في المشاهد اللي كانت بتواجه فيها الواقع القاسي لعالم العصابات.
أما صباح في دور لمياء، فكانت قدرتها على التعبير عن الحب والرفض والخوف بتعمل توازن جميل مع باقي الشخصيات، وده خلى الحب اللي ظهر في الفيلم بين لمياء وكمال (صلاح ذو الفقار) حقيقي ومؤثر جداً،
كمان الفيلم مش بس أكشن وتشويق، لكن كمان بيحكي عن الصراع بين الخير والشر، والوفاء والخيانة والعدالة اللي في الآخر بتنتصر، حتى لو كان الطريق مليان مخاطر وغموض. وجود الرجل الأول اللي معرفش عنه حد أي حاجة بيدل على فكرة إن الشر ممكن يكون أقوى وأخفى، وده بيخلق توتر مستمر للفيلم، وفي نفس الوقت بيخلي الرسالة أوضح مهما كان الشر قوي، الحق والعدالة هيفرضوا وجودهم في النهاية. الفيلم كمان بيعكس فكرة الثمن اللي بتدفعه الشخصيات بسبب اختياراتهم، خصوصاً عصمت اللي حياته كلها مليانة قرارات غلط وده بيأثر على اللي حواليه، وفي الآخر بيلاقي جزاءه.
إخراج عز الدين ذو الفقار كان ممتاز، قدر يحافظ على توازن بين التشويق والحبكة الدرامية، وبين اللقطات الأكشنية واللقطات الإنسانية، مع إيقاع سريع نسبياً بيشد المشاهد من أول دقيقة.
الفيلم مليان تفاصيل صغيرة بس مهمة، زي الأماكن اللي الشخصيات بتتجمع فيها، طريقة تحركاتهم، حتى طريقة كلامهم، كل ده بيخدم الحبكة وبيعكس شخصياتهم من غير ما يكون فيه كلام زايد. والآداء التمثيلي كان بمستوى عالي جداً، خصوصًا رشدي أباظة اللي حضوره كان بيكمل الفيلم، كل مشهد كان تحفة في التمثيل الواقعي والانفعالي، وهو سبب كبير إن الفيلم لسه لي حضور قوي بعد كل السنين دي
بصراحة كان نفسي أتكلم عن الفيلم ده من زمان لإنه مش مجرد فيلم أكشن وجريمة، لكنه دراسة عميقة لشخصيات معقدة، لمشاعر البشر، للصراع بين الطموح والوفاء، وبين الحب والانتقام، وفوق ده كله، تجربة سينمائية متكاملة تجمع بين الآداء القوي والقصة المشوقة والإخراج المتقن، واللي خلاه يفضل علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية.