عاجل

فيلم “صوت هند رجب” يفوز بـ “الأسد الفضي” في مهرجان البندقية السينمائي
تصعيد جديد مع مصر.. إثيوبيا تطمح لاستعادة “السيطرة” على البحر الأحمر
مصر تتحدى إسرائيل: مخطط التهجير لن يحدث شاء من شاء وأبى من أبى
مظاهرة حاشدة في باريس تطالب باستقالة ماكرون ورئيس وزرائه
“أطفالكم في خطر”.. الأزهر يطلق تحذيرا عاجلا
“الأونروا” تحذر وتدعو “لإغراق” قطاع غزة بالمساعدات فورا
مصر تؤكد أن “مسألة التهجير خط أحمر” وسط دعوات إسرائيلية لإخلاء مدينة غزة
بكلمة واحدة.. نجيب ساويرس يرد على سؤال بشأن رضاه عن منتخب مصر
# سلامٌ الاستغناء
ترامب : بعض الرهائن ربما ماتوا مؤخرًا في غزة والمفاوضات جارية الآن
مادورو: فنزويلا مستعدة للكفاح المسلح إذا تعرضت لهجوم أمريكي
الجامعة العربية: لا تعايش في المنطقة مع احتلال إسرائيل لأراض عربية وسعيها لضم أخرى
مانشستر سيتي يتغزل بعمر مرموش بعد هدفه في مرمى إثيوبيا
هل يشعل نزع سلاح حزب الله فتيل صراع جديد في لبنان؟
الأحد 7 سبتمبر.. حفل توقيع ومناقشة كتاب “قبل المأذون” للدكتورة آمال إبراهيم بمكتبة القاهرة بالزمالك

وباء الكذب الافتراضى

سهير جودة

أصبح الكلام رخيصاً، بلا ثمن، المعروض منه أغلبه سم قاتل فى زمن مواقع التواصل الاجتماعى التى تحولت من ساحة حرية وتعبير عن الرأى إلى ساحة حرب، وأصبح الاغتراب أقوى، والكذب وباءً، وبدلاً من أن تصبح وسيلة قوية للتواصل الاجتماعى أصبحت طرقاً ممهدة للانتحار الجماعى.
إنها المصدر الرئيسى للشائعات والأكاذيب، ولترويج الجرائم والشذوذ، وأصبحنا مستغرقين فى حياة افتراضية، وكأنها هى الحياة بكل أكاذبيها، وسيئاتها التى تُذهب الحسنات.
مع تضخّم مكانة ومساحة وسائل التواصل الاجتماعى أصبحنا نعيش فى ضجيج صاخب وتتداخل موجات هذه الوسائل فى أثير الوطن، فتنتج برقاً أجوف، ويصبح أهم ما ننتجه هو الكلام بجميع أشكاله، فهناك النفاق الرخيص، وهناك نفاق يدعو إلى البكاء والرثاء، وهناك أكاذيب شديدة الفجاجة، حيث التفوق فى جسارة الكذب.
الصحفيون الجُدد ظاهرة تنمو بشكل مرعب وتصنع أوهاماً، فنجد شخصيات لا تعرف أبجدية فك الخط عقلياً ومتخمة بالسطحية وتصدّر نفسها باعتبارها من الكتاب والمفكرين، وأغلبهم لا يصلح لأن يكون مجرد قارئ.
وكل هؤلاء يشاركون فى صناعة وتصدير أكاذيب منظمة كل لحظة، سواء من كانوا يعانون إفلاساً إنسانياً أو ممن هزمتهم مشاعر عدم التحقّق والحقد.
الجميع يصدر أكاذيب بلهاء أو ترهات أو أفكاراً مرتبكة أو مواقف تفوح منها رائحة الغرض أو المرض.
إنهم بشر انقطع النور عن عقولهم فترات طويلة، فأصيبوا بعاهات مستديمة، لكنهم يجدون من يصدقونهم ويصفقون لهم.
وتتوالى أشكال الإنتاج التى تصدّرها وسائل التواصل، فنجد هناك شخصيات متخمة ببطولات وهمية فارغة، والأغلبية منهم يحلقون على تضاريس من الأكاذيب على ارتفاع تصعب منه الرؤية الحقيقية لأنفسهم وللآخرين وللقيم وللحياة.
فتجد السب والقذف عادة، وكأن السب للسب متعة وغاية وهدف وكأن البعض يقع فى غرام الروائح الكريهة، فيفتح كل يوم غطاء صندوق قمامة فى وجه الآخرين، ليلوث به الهواء والحياة.
فى العالم الافتراضى، تتجلى المزايدة والفتى ونصنع أبطال أساطير من الأوهام، وكأننا لا نجيد سوى صناعة أعمدة من الكذب وتكاثرت الأكاذيب وتضخّمت، وهناك من يستثمر هذه الوسائل لغرض فى نفوس مريضة لهدم دول وهدم قيم وسيادة التشكيك وفقدان الثقة والإحباط والانحطاط وإشاعة الإرهاب والترهيب، إنها فوضى واجتياح.
والبعض ينصّب نفسه حكماً على الآخرين، يفتش فى نواياهم وينتقد أقوالهم وأفعالهم، وأصبحنا نعيش زمن الشائعات المريضة والآراء التى تؤكد انعدام أو انحطاط الأخلاق.
وكل كائن يتخفّى بقذارته ويخرج مشيراً إلى قذارة الآخرين.
للكاتب الراحل الكبير الصحفى محمود عوض كتاب شهير اسمه «أفكار ضد الرصاص» فى مقدمة هذا الكتاب أدق وصف للحالة التى نمر بها الآن فى انفجار الإعلام القضائى أو الإلكترونى.
إنه قتل مع سبق الإصرار والترصد، قتل مع التعمد، قتل مع التنفيذ، إنه ليس تفكيراً فى قتل، أليس مشروعاً، أليس محاولة، إنه قتل، ومع ذلك فإن الجانى يخرج بعد كل جريمة بغير عقاب.
إن القتيل معروف، وأداة القتل مضبوطة، وسبب القتل واضح، والشهود موجودون، والقاتل معترف، ومع ذلك فإن جريمة القتل يتم تسجيلها فى النهاية ضد مجهول.
محمود عوض كتب ذلك قبل عقود طويلة من وجود هذا العالم، قبل عقود طويلة من تجريف الصحافة والثقافة، فهو يتحدث عن جريمة مرتبطة بجريمة ما زالت تحدث حتى الآن، فرغم حالة السخف الكبير الذى يمارس بحرية كبيرة وهو غثاء، نجد أن كل شىء حقيقى أو مختلف أو له قيمة يوأد أو يُعدم ويواجه برصاص ممن يمارس هذا السخف ومن غيرهم ووكلاء تجار الدين والفضيلة والأوصياء على المجتمع ومحتكرى السلطة والحرية.
كل هؤلاء الوكلاء يطلقون الرصاص بقلب بارد على كل فكر حقيقى يعرى الزيف، فنحن الآن بين حالتين: «انتشار السخف والأكاذيب وإخفاء الحقائق والقيم»، والنتيجة الحتمية أنه سيتم تفكيك كامل للأخلاق، وستصبح بلا هوية وبلا وعى وسنفتقد التوازن.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net