بقلم / محمد عبد القدوس
أبوك العبقري فتح الباب لفوضى صحفية !!
لا أدري .. هل ما قاله عن والدي رحمه الله هو على سبيل المدح أم الذم ؟؟
قال لي: يا سلام على والدك الراجل ده عبقري ليس له مثيل ..
وبدا أن كلامه فيه مبالغة ..
قلت له: عبقري نعم .. لكن ليس له مثيل محل شك !!
أجابني ضاحكاً: صدقني كلامي صح تماماً ودعني أشرح لك.
شرح وجهة نظره في جدية كاملة قائلا: “إحسان عبدالقدوس” متميز عن غيره من عباقرة مصر أن له ثلاث عبقريات .. وهذا أمر استثنائي جداً لأن العظماء لهم عبقرية واحدة ، لكن “سانو” والدك كما تسميه أسرته له وضع مختلف ..
عبقرية في الأدب وكتابة القصص وحتى ولو اختلفت معه ، فلابد أن تعترف أنه أديب متميز.
يا سلام على عبقريته الصحفية .. صحفي شاطر جداً ورئيس تحرير من الطراز الأول .. وأرقام التوزيع تتكلم .. عندما تولى قيادة مجلة “روزاليوسف” التي أنشأتها أمه واسمتها باسمها رفع هذه المجلة للقمة .. وفي أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي تولى جريدة أخبار اليوم الأسبوعية التي تصدر كل يوم السبت وفي خلال بضع سنوات فقط .. أصبحت الصحيفة رقم واحد في مصر .. وكسرت في توزيعها حاجز المليون نسخة بفضله والكتيبة الصحفية التي يقودها وذلك لأول مرة في تاريخ الشرق الأوسط كله .. وكان عدد سكان مصر في ذلك الوقت أربعين مليون نسمة ، وهناك رقابة على الصحف والطباعة متخلفة مقارنة بأحدث أساليب الطباعة التي شهدتها الساحة الصحفية بعد ذلك .. ولكنه “إحسان عبدالقدوس” رئيس التحرير عشرة على عشرة .. ولا يوجد في تاريخ مصر من جمع بين التفوق الصحفي والأدبي سواه .. “نجيب محفوظ” مثلاً أديب ممتاز ولكنه ليس بصحفي .. وهناك رؤساء تحرير ناجحين جداً شهدتهم بلادنا لكن عبقريتهم انحصرت في الصحافة فقط .. فلم يبرز أحد منهم كأديب .. لكن والدك حاجة تانية حيث نجح في الجمع بين الحسنيين .. برافو عليه.


قلت له: لكنك ذكرت أن له ثلاث عبقريات .. فما هي الثالثة ؟؟
أجابني: الكتابة السياسية ..
وأنا زعلان منه بسبب عبقريته في هذا المجال !
طرأت الدهشة على وجهي وسألته عن السبب !!
فأجاب لأنه فتح الباب لكل من هب ودب ليكتب في السياسة والأزمات الدولية !!
أبوك السبب في هذه الفوضى !!
بدت علامات الاستفهام على وجهي وقلت له مش فاهم !!
رد قائلا: قبل أكثر من نصف قرن بدأ والدك يكتب في السياسة بطريقة جديدة مختلفة تماماً عن الكتابات السياسية قبله .. واسمها “على المقهى في الشارع السياسي” وهي حوار بين رجل عجوز وشاب .. يعني حوار بين الأجيال .. يجمعهم أنهم يتحدثون دون خبرة وليس لديهم معلومات .. بل دردشة مقاهي !!
ونجح في هذا الباب نجاحاً عظيماً لأنه كان جديداً جداً من نوعه .. وقبله لم يكن أحد يجرؤ أن يكتب في السياسة والسياسة الدولية دون أن تكون لديه معلومات كافية ، ولذلك كان التخصص هو الغالب في هذا المجال .. ومعظمهم من رؤساء تحرير الصحف أو مراكز الدراسات.
لكن بعد “إحسان عبدالقدوس” أختلفت الدنيا تماماً .. وأصبح من حق كل واحد أن يدلي برأيه ويعبر عن نفسه دون أي معلومات في هذا الموضوع الذي يتحدث فيه .. مجرد فضفة ودردشة تشبه على مقهى في الشارع السياسي ..
وأنا مصمم على ما أقوله: عبقرية والدك يا إبنه العزيز في هذا المجال أدت إلى كارثة صحفية واختلط الحابل بالنابل .. ولم نعد نقرأ المقالات السياسية المتعمقة إلا قليلاً .. والغالبية العظمى على طريقة على مقهى في الشارع السياسي .. عجائب!!
# محمد عبدالقدوس























































