كتب : سيد عبد الفتاح
بين زحام الشوارع وصخب السيارات في منطقة التعاون بالهرم، وبجوار عمارات العرائش التي اعتادت أن تحتضن ضجيج المدينة، فاجأني مشهد مختلف تمامًا…
روائح عطرة تعبق في المكان، وألوان زاهية تُغازل العيون، كأن الطبيعة قررت أن تُقيم مهرجانًا للجمال في قلب الجيزة.
توقفت بسيارتي مدفوعًا بدهشة جميلة، وترجلت لأقترب أكثر من هذا البستان الأخّاذ الذي بدا وكأنه جنة الله على الأرض.
دخلت المشتل التابع لقطاع حدائق الطالبيّة بهيئة النظافة والتجميل بمحافظة الجيزة، فوجدت نفسي أمام عالم ساحر من النباتات والزهور والأشجار، يزيد عدد أصنافه على 2000 نوع، تتنوع بين نباتات زينة، وأخرى عطرية، وثالثة طبية نادرة.
عبير الريحان والفل والياسمين يملأ الأجواء، وألوان الزهور تبهج القلب وتمنحك طاقة من السكينة والصفاء.
ورغم بساطة المكان، إلا أنك تشعر بأن كل زهرة تُعامل بحب، وكل شجرة تُروى بعناية وكأنها جزء من روح المكان.
وخلال جولتي، سألت عن من يقف وراء هذا الجمال المنظم، فوجدت امرأة ترتدي الزي الأخضر، يملأ حضورها المكان طاقة إيجابية ودفئًا إنسانيًا.
إنها المهندسة دالية إبراهيم – مدير حدائق الطالبيّة، التابعة لهيئة النظافة والتجميل بمحافظة الجيزة، التي تقود العمل بإخلاصٍ وشغفٍ حقيقي، تجعل من كل ركن في المشتل قصة حياة خضراء.
وبجوارها المهندس عبدالمنعم عبدالرسول – وكيل حدائق الطالبيّة، أحد الوجوه المخلصة التي تتابع التفاصيل يومًا بيوم ليبقى المكان في أبهى صوره.
تحدثتُ مع العاملين هناك، فاكتشفت أن هذا المشتل ليس مجرد مساحة خضراء، بل مشروع بيئي وتنموي يخدم أحياء وميادين ومدارس الجيزة، ويمدها بما تحتاجه من أشجار وزهور ونباتات تجميلية.
هنا، لا تُزرع الزهور فقط، بل يُزرع الأمل والانتماء.
هذا المشتل يعيد إلى الجيزة وجهها المشرق المفعم بالحياة، ويؤكد أن الجمال لا يحتاج ضجيجًا كي يُرى، بل يحتاج فقط من يؤمن به ويصونه.
إنه بستان الجيزة الصامت… يزرع الفرح في صمت، ويمنح الحياة لكل من يمر بجواره.
ولا يسعني في نهاية زيارتي إلا أن أقول:
إنه واجب على محافظة الجيزة أن تُكرم وتُكافئ هؤلاء الذين يعملون في صمت، ويحولون الجمال من فكرة إلى واقع، ليُقدّموا للناس مشهدًا حضاريًا يُجسّد هوية الجيزة وتاريخها العريق.
هذا المشتل ليس مجرد مساحة من النباتات، بل رسالة حب من أبناء المحافظة إلى مدينتهم، ودليل على أن الجمال الحقيقي لا يُصنع بالشعارات، بل بالأيادي التي تُحب الأرض وتزرع الأمل.