كتبت / سلوى لطفي
إذا كنت تعاني من آلام متكرّرة، من الآمن ربما تقليل الحركة، خصوصًا لجهة رفع الأشياء أو القيام بأي نشاط يبدو مرهقًا.
وكثيرون يتجنبون تمارين القوة لهذا السبب، خوفًا من أن تؤدي إلى تفاقم الألم. لكن عند اتباع نهج مدروس، يمكن لتقوية العضلات أن تكون من أكثر الوسائل فاعلية لتخفيف الانزعاج، وتحسين القدرة على الحركة في الحياة اليومية.
لِمَ قد تُقلّل القوة من الألم؟
ينتج الألم المزمن عادةً عن استشعار الجهاز العصبي لمنطقة غير مستقرة في الجسم. فيستجيب بخلق توتر وقائي وزيادة في الحساسية. وإذا لم تتّخذ خطوات لمعالجة مصدر الألم وتهدئة الجهاز العصبي، فسينتهي بك الأمر تعاني من ألم قوي جرّاء قلّة الحركة المستمرة
يمكن أن تساعدك تمارين القوة على الخروج من هذه الحالة عبر بناء دعم عضلي حول المفاصل، وتصحيح الاختلالات، وتحسين الاستقرار العام.
ومن خلال تعريض جسمك تدريجيًا لمقاومة متزايدة، يمكنك تقليل حساسية جهازك العصبي المفرط في الحماية.
وبمرور الوقت، يدرك دماغك أن الحركة آمنة في جسمك الأقوى والأكثر استقرارًا، ما يؤدي إلى توسيع نطاق حركتك الخالية من الألم.


تُبرز مراجعتان منهجيتان وتحليلان شموليان منفصلان هذه الفوائد
ركزت الأولى على الأشخاص المصابين بالتهاب المفاصل العظمي في الركبة والورك، ووجدت أن تمارين المقاومة لا تعمل فقط على بناء القوة، بل تُقلّل أيضًا من الانزعاج، وتحسّن القدرة على الحركة.
- أما الثانية، التي تناولت العلاقة بين التمارين وحساسية الألم، وأفادت بأن التدريب المنتظم يمكن أن يزيد قدرة الجسم على تحمّل الألم، بحيث لا يشعر الشخص بالألم إلا عند مستويات أعلى من الجهد أو الضغط، وهذا ما يُعرف باسم “نقص التألم الناتج عن التمارين” (Exercise-Induced Hypoalgesia).
تُبرز هذه النتائج معًا كيف يمكن لتمارين القوة أن تقدم وسيلة عملية مدعومة بالعلم للتغلب على الألم المزمن.
أن تصبح أقوى من ألمك
عندما يكون الألم مزمنًا، لا يوجد زر يمكنك الضغط عليه لإيقافه فورًا. لكن تقوية الجسم تشبه مفتاح التحكّم في شدة الصوت، يمكنك تدويره تدريجيًا لتحقيق نتائج دائمة
من خلال البدء بتمارين الانقباضات العضلية الثابتة (isometrics)، وهي تمارين تُفعّل العضلات حول المفصل من دون حركة، يمكنك أن تُظهر لجهازك العصبي أن منطقة عدم الاستقرار والانزعاج يمكن دعمها بأمان.
على سبيل المثال:
- تمرين الجلوس على الحائط (wall sits) يُفعّل ويُقوّي العضلات الداعمة للركبتين.
- تمرين البلانك (plank) يساعد على تقوية عضلات الجذع (core)، ما يعزز قدرة أسفل الظهر على التماسك والدعم
- بهذه الطريقة، تبدأ بإعادة بناء الثقة بين جسمك وجهازك العصبي، خطوة بخطوة.
بعد ذلك، تبني إضافة حركات بطيئة الإيقاع القدرة من دون أن تُحدث صدمة لجهازك العصبي. للتقدم من تمرين الجلوس على الحائط، يمكنك الانتقال إلى تمارين القرفصاء بوزن الجسم، حيث تنزل ببطء إلى وضع القرفصاء خلال خمس ثوانٍ، ثم تعود إلى وضع الوقوف بنفس الوتيرة
للتقدم من تمرين البلانك، يمكنك التمرن على خفض جسمك إلى الأرض خلال ثلاث إلى خمس ثوانٍ من وضعية تمرين الضغط العادي أو المعدل (مع إنزال الركبتين)، مع التركيز على الحفاظ على التحكم في الجذع والعمود الفقري بدلاً من السقوط المفاجئ.


عندما تبدأ بالشعور بأنك تزداد قوة من خلال أداء التمارين الثابتة (isometric) وبطيئة الإيقاع، قد ترغب بإضافة مقاومة إضافية باستخدام الأربطة المطاطية أو الأوزان الحرة، وذلك حسب المناطق التي تركز عليها
المفتاح هو التقدّم تدريجيًا، لمنح جسدك الوقت للتكيّف، وجهازك العصبي الوقت للشعور بالأمان.


إذا كنت تعاني من ألم حاد أو غير مبرر، أو تعرضت لإصابة حديثة، فتحدث إلى طبيبك أو أخصائي العلاج الطبيعي. الهدف هو ممارسة التمارين بطريقة تتحدى جسدك لكنها قابلة للتحمل، وليس دفع نفسك لتجاهل علامات التحذير.
درب أنماط الحركة، وليس أجزاء الجسم فقط
القوة الحقيقية في الحياة تأتي من أنماط متناسقة. عندما تعرف ما الذي يجب منحه الأولوية في تدريبك، وأين تركز جهودك، ستلاحظ فرقًا كبيرًا في نتائجك. لذلك، يركز هذا البرنامج على مناطق غالبًا ما تُهمل، لكنها تؤثر بشكل كبير على طريقة تحركك يوميًا. مثل:
- العضلات المائلة (Obliques): غالبًا ما يُنظر إليها كعضلات جانبية فقط للبطن، لكنها تقوم بأدوار أكبر بكثير. تساعد على توازن الأضلاع فوق الحوض، وتقاوم الدوران غير المرغوب به، وتدعم العمود الفقري مع كل خطوة ورفع. عندما تقوم عضلات المائلة بوظيفتها بشكل جيد، فإنها تساعدك على تجنب التوتر والتشنجات المؤلمة في أسفل الظهر.
- عضلات الفخذ الداخلية (Adductors): تثبت الحوض وتوجه ساقيك أثناء المشي والدوران وتغيير الاتجاه. ضعف هذه العضلات قد يسبب مشاكل في التوازن والتنسيق في الجزء السفلي من الجسم. علامات تدل على الحاجة لمعالجة هذه العضلات تشمل انزعاج في منطقة الفخذ، ألم في الظهر، وتضيق في مفصل الورك.
- لوحات الكتف (Shoulder blades): حركة لوحات الكتف المستقرة تُعد أساسًا لكتفين صحيتين ورقبة مسترخية. إذا كانت لوحات كتفك تفتقر إلى تثبيت قوي وحركة محكمة التحكم، فقد يؤدي ذلك إلى آلام في منتصف الظهر، وصعوبة في حركات الجزء العلوي من الجسم، وضعف في الذراع، ومشاكل في الوضعية.
بالتدريب على هذه المناطق المحددة، لن تكتسب القوة فقط، بل ستُحسن أيضًا المحاذاة وتوزيع الأحمال عبر جسمك، ما يقلل من مخاطر الإصابات.
التنفس لتعزيز القوة، والهدوء، والاسترخاء
يعتبر التنفس الجسر بين القوة وجهازك العصبي. الاستنشاق البطيء عبر الأنف يعمل على توسيع وتحريك القفص الصدري، بينما الزفير العميق والطويل يساعدك على الوصول إلى عضلات الجذع العميقة ووضع القفص الصدري بشكل أفضل فوق الحوض. هذا الوضع يمكّن عضلات الجذع من الانخراط بشكل أكثر فعالية ودعم العمود الفقري أثناء الحركة.
كما أن التنفس العميق يساعد على تهدئة الجهاز العصبي مرتفع النشاط، ما يمكّن جسمك من إطلاق التوتر غير الضروري. هذا التحول ينقلك إلى حالة “الراحة والاستعادة” التابعة للجهاز العصبي اللاودي، حيث يحدث بناء وإصلاح العضلات.
بتنسيق تنفسك مع تمارين القوة، أنت تعمل مع أنظمة جسمك الطبيعية وليس ضدها.