بقلم دكتورة / أميرة النبراوي
وقفتُ على شاطئ البحر أترقب شيئًا لا أدريه، وكأن الموج يهمس لي أن سرّي سيولد من بين أمواجه. وهناك لمحته أول مرة… رجلٌ شريد، محطم الروح، يحمل بعينيه ظلال حزن عميق، كأن الدموع سُجنت فيهما وأبت أن تغادر. بدا قويًا كصخرةٍ شامخة، لكن داخله كان هشًا ينزف بصمت.
أما أنا، فقد جئت إلى البحر لألقي على رماله جراح الطلاق وخذلان القلب. كنتُ قد وهبتُ حبًا صافيًا وحنانًا غامرًا، فلم أجنِ سوى الغدر والانكسار. صار البحر متنفسي الوحيد، أودع أمواجه أسراري، وأشكو له الوفاء كثيرًا ما يُقابَل بالخيانة.
وبرغم كل ذلك، لم يفقد قلبي النقي يقينه بأن الله لا يخذل القلوب الصادقة.
وفي ذلك الركن البعيد من الشاطئ، كان يجلس كل يوم صامتًا يناجي البحر كما أناجيه، وكأن بيننا اتفاقًا خفيًا لا نعلمه. تساءلت بيني وبين نفسي:هل أضاعه حبٌ غادر؟ أم كُسر قلبه كما كُسر قلبي؟
تابعته أيامًا طويلة حتى رأيته ذات مساء ينهار باكيًا، يرتمي برأسه على الرمال. اقتربت منه بخطوات مترددة، وضعت يدي على كتفه وربتُّ عليه. عندها رفع رأسه، وأمسك بيدي كالغريق الذي وجد أخيرًا طوق نجاة نظر لى نظرةً اختطفتني من نفسي، وقال بصوتٍ مبحوح:
– لماذا تأخرتِ؟ هل أنتِ جنيّة البحر التي حلمتُ بها؟! رأيتكِ في يقظتي ومنامي، كنتِ طيفًا وملاكًا، والآن صرتِ حقيقة. لا تتركيني… كوني لي أمًا وحبيبةً وعشيقة، كوني سندي وحياتي، فقد طال انتظاري لحبٍ يحررني من حزني.
منذ ذلك اليوم، صرتُ أعود للشاطئ كل صباح أبحث عنه. أنظر للأفق وأحادث السماء، فأجده يطل من بعيد بصوته الذي يسكن روحي:
– هل أنتِ بشر أم ملاك؟ أم جنيّة البحر التي وعدني بها القدر؟! قلبكِ نقيّ لا يعرف الخداع… رأيتكِ في أحلامي طويلًا حتى استجاب الله لدعائي وأعادكِ إليّ.
ارتعش قلبي، وأدركت أن الدعوات لا تضيع. كم بكيت وأنا أرجو الله أن يرسل لي من يداوي جرحي، وها هو أمامي يعاهدني:
– ستكونين لؤلؤتي الغالية، أضعكِ في قلبي قبل عيوني، وأعيش عمري لأجل سعادتكِ.
وهكذا، عند البحر… وُلدت حكايتنا.
لم نكن نعلم أن الجراح التي أرهقتنا كانت في الحقيقة طريقًا يقودنا إلى لقاءٍ يعوضنا عن كل ما سرقته الخيانة من أرواحنا. إنه نداء القدر والتلاقى عند البحر .انتِ الأمانى والموانى اللى سموها محبه .