بقلم دكتورة / أميرة النبراوي
رداء الأنوثة
جلس هائمًا على وقع أغنية لعبد الحليم، وما إن بلغ مسامعه المقطع:
“سألت عقلي فأصغى لن تراها، وقال قلبي أراها ولن أحب سواها”
حتى شعر أن الكلمات خُلقت له وحده.
هي وحدها من أنارت قلبه بعد أن كان غارقًا في استهتار طويل.
هي وحدها من ردّت إليه الإحساس النقي الذي ظنّه اندثر.
وتساءل مذهولًا:
لماذا هى ؟
حواليه كثيرات يتمنين مجرد نظرة من عينيه، أو صورة تجمعهن به.
فهو الدونجوان الذي تعشقه النساء، وكازانوفا عصره الذي يعتبرنه سحرًا لا يقاوم.
ومع ذلك… لم تهزّ واحدة منهن أعماقه كما فعلت هى
أهى براءتها النقية؟
أم بساطتها التي تجعله يشعر وكأنه أمام ثمرة طازجة لم تمسها يد؟
أم لأنها لم تركض وراءه كما فعلت الأخريات؟
كانت مختلفة تمامًا؛
طفلة عاقلة في ثوب امرأة ناضجة،
تملك مزيجًا عجيبًا من العفوية والثبات.
يكفي أن تمسك يده… فيشعر بالاكتمال.
أغرقته عيناها منذ اللقاء الأول، لم يعد يسمع إلا غناء الحمام والكروان واليمام .
أسف على سنوات مضت من عمره دون أن يحتضنها.
حاول مرارًا الهروب منها حتى لا يقع في حبها،
لكن قلبه كان يفضحه في كل مرة، يهمس له في وحدته:
“لقد أحبها”.
لم تترك أي امرأة من قبل أثرًا مثلهـا.
ببراءتها… بتواضعها… بابتسامتها الخجولة…
حتى غضبها كان يزيدها جمالًا حين يسكن الورد في وجنتيها.
أعادت بناءه من جديد.
كان خجلها وصمتها وابتسامتها دواءً يمتص تعبه وآلامه.
أدرك أن رداء الأنوثة صُمّم لأجلها وحدها.
كلما فقد النور في حياته، بحث عنها، فوجد في عينيها الضياء.
كم تساءل بينه وبين نفسه:
“من يكون حبيبك؟ ولماذا تبقين وحيدة؟”
وكان كلما تحدّث إليها…
تمنى ألا ينتهي الحديث،
فبينهما لغة صامتة لا يدركها سواهما:
لغة العيون.
قبلها لم يعرف معنى للحياة.
أما معها، فقد صار اللقاء عيدًا،
وانتظارها نشوة لا تنتهي.
كانت مثل قطرات ندى لم تُعلن بعد عن سقوطها:
رقيقة… هادئة… لكنها تُحيي كل شيء تلمسه.
هناك، حيث تواعدا،
التقت العيون،
ودق قلبه ليعلن عصيانه على كل النساء.
ومنذ ذلك الحين، لم يعد يتردد إلا في سؤال واحد يطارده:
“لماذا أنتِ؟”
لكنه، في النهاية، أيقن أن قلبه لن يهدأ إلا بانتظارها،
وأن عينيه ستظل تبحث عنها، مهما طال الزمن .