بقلم الكاتبة / سهام فودة
في زمنٍ لم نعد نغلق فيه أبوابنا جيدًا، لأن النوافذ كلها باتت مفتوحة على مصراعيها… لم تعد الخيانة تحتاج إلى غرفة مظلمة أو لقاء سري في مقهى بعيد. أصبح الهاتف هو الوسيط، والإنترنت هو الستار، والكلمة العابرة هي أول خيط في نسيج الخيانة. في عالمٍ يُشعل فيه “إعجاب” واحد فتيلَ الشك، ويُشبه فيه التفاعل العاطفي عبر “القلب الأحمر” نبضة حقيقية في صدر غريب!
عزيزي عزيزتى…لم تعد الخيانة الإلكترونية مجرد خيال… إنها الواقع الذي ينهش جسد العلاقات من الداخل، بلا دماء تُرى، لكن بجراح لا تندمل.
في “فيسبوك” صورة جديدة تشعل اهتمام رجل لم يلتفت يومًا لصمت زوجته الطويل.
في “إنستغرام” قصة عابرة تُغري امرأة بالكلام مع رجلٍ غريب، فقط لأنه سأل: “هل أنتِ بخير؟”
وفي “واتساب”، تبدأ المأساة بضحكة، وتنتهي أحيانًا بطلاق، وأحيانًا بما هو أسوأ… حياة مهدورة وثقة مكسورة.
عزيزي عزيزتى.. احظروا…
الخيانة الإلكترونية ليست وهماً… بل واقعًا يُشبه السرطان، يبدأ بخلية واحدة ثم يتغلغل في روح العلاقة. لا تحتاج إلى جسد لتمارسها، بل يكفي أن ينكسر الحياء، ويغيب الضمير، ويشتد الاحتياج.
الزوجة التي أهملها زوجها، لم تبحث عن خيانة، لكنها بحثت عن دفء.
والزوج الذي استهلكه الروتين، لم يبحث عن خطيئة، بل وجد نفسه في عالم بديل يُلبِّي فيه نقصًا ما.
لكن… هل يُبرّر النقص الخيانة؟ هل يُبرّر الألم جريمةً في حق من ائتمنك على قلبه؟!
للأسف، كثيرون لم يعودوا يفرّقون بين الفعل والخيانة الصامتة.
الرد على رسالة في منتصف الليل، إرسال قلب أحمر لامرأة غريبة، الانسياق وراء محادثة تستمر لساعات خارج دائرة العلاقة… كل هذه ليست براءة كما يظن البعض، بل خناجر مغروسة في خاصرة الوفاء، وألغام مزروعة في أرض الثقة.
الهواتف التي نحملها في أيدينا، لا تخون وحدها، بل نحن من نختار أن نستخدمها كأدوات هدم بدلًا من أن تكون جسور تواصل راقٍ داخل حدود العلاقة الشرعية.
إنها ليست مجرد شاشات، بل مرايا تكشف ضعف النفس، وقوة الوازع، وحدود الضمير.
الخيانة الإلكترونية هي الجيل الجديد من الخيانات… أكثر خفّة في ظاهرها، لكنها أكثر قسوة في نتائجها.
جرحها لا يُرى، لكنه يتقيّح في الروح.
وصدمتها لا تأتي من الفعل، بل من الخذلان… من إدراك أن من أحببته، أعطى قلبه لغيرك دون أن يبرح مكانه.
إن غياب الوازع الديني، والفراغ العاطفي، والإدمان الرقمي، هي مثلثُ الخطر الذي يهدد كل بيت.
وحين يغيب التفاهم، تفتح الأبواب الخلفية… ليس للخيانة فقط، بل للهروب.
الإنسان كائن عاطفي بطبعه، لكنه أيضًا مسؤول.
مسؤول عن اختياراته، عن حفظ قلبه، عن صيانة عهده.
ومن أراد علاقةً آمنة، فليُغلق الأبواب المفتوحة، وليحترس من النوافذ التي تبدو بريئة، لكنها تنقل نسيم الخيانة دون أن ندري.
فلنُحافظ على بيوتنا، لا بإغلاق الهواتف، بل بفتح القلوب لبعضنا.
لا بالرقابة، بل بالاهتمام.
لا بالشك، بل بالحب.
فالخيانة لا تبدأ من الخارج… بل من الداخل حين يفرغ القلب من صاحبه، ويبحث عن بديل.
وأخيراً ..الخيانة الإلكترونية ليست تطورًا عصريًا بقدر ما هي سقوط أخلاقي تُسهِّله التكنولوجيا وتُبرِّره الأعذار. لكن مهما اختلفت الأدوات، يبقى الخائن خائنًا، ويبقى الوفاء قيمة لا تحتاج إلى اتصال إنترنت، بل إلى اتصال حقيقي بالروح والنية والضمير.