كتب / رضا اللبان
النضال ضد الهكسوس: قصة غزو ومقاومة وهوية وطنية
قبل أن نتناول ملحمة النضال البطولي الذي خاضه المصريون ضد الهكسوس لتحرير أرضهم، من المهم أن نتعرف أولاً على من هم الهكسوس، وما أصلهم، وكيف دخلوا إلى مصر.
من هم الهكسوس؟
الهكسوس هم شعوب سامية ذات أصول آسيوية، يُعتقد أنهم قدموا من منطقة كنعان (فيما يعرف اليوم بفلسطين وسوريا)، وكانوا خليطًا من قبائل سامية وكنعانية وعمورية. تسللوا تدريجيًا إلى مصر في أواخر الدولة الوسطى، مستغلين فترة الضعف خلال عصر الانتقال الثاني (نحو 1782–1570 ق.م)، واستقروا في شرق الدلتا، حيث أسسوا عاصمتهم “أواريس” (تل الضبعة بمحافظة الشرقية).
أصل التسمية
كلمة “هكسوس” مشتقة من المصطلح المصري القديم “ḥqꜣ ḫꜣswt” والذي يعني “حكام الأراضي الأجنبية”. أطلق المؤرخ المصري مانيتون هذا الاسم على الغزاة الآسيويين الذين أسسوا أسرة حاكمة في مصر. أما المؤرخ اليهودي يوسيفوس، فقد حرّف الكلمة وفسرها بأنها “الأسرى الرعاة”، وهو تفسير لا يتفق مع المعنى الأصلي.
طريقة دخولهم وسيطرتهم
لا يوجد اتفاق تام بين المؤرخين حول كيفية دخول الهكسوس إلى مصر، لكن مانيتون يذكر أنهم دخلوا في عهد الملك “توتيمايوس” – وربما هو الملك “جدي مسو” من الأسرة الثالثة عشرة. استغل الهكسوس ضعف السلطة المركزية، وتسللوا من الشرق، وتمكنوا بسرعة من بسط سيطرتهم على شمال مصر. نصبوا أحد قادتهم ويدعى “سالاتيس” ملكًا، وقسّم مانيتون فترة حكمهم إلى ثلاث أسرات: الخامسة عشرة (ستة ملوك)، السادسة عشرة (ثلاثة وأربعون ملكًا)، والسابعة عشرة في طيبة التي بدأت منها المقاومة.
كيف صوّرهم المصريون؟
ظهر الهكسوس في النقوش المصرية كأشخاص ملتحين، يرتدون ملابس مشرقية قصيرة مزخرفة، ويستخدمون أسلحة متقدمة مثل العجلات الحربية والأقواس المركبة. وبالرغم من محاولتهم تبني الألقاب الملكية المصرية، فقد وصفهم المصريون لاحقًا بلغات عدائية في النصوص باعتبارهم غزاة نجسين، في سرديات تعكس الغضب الشعبي بعد طردهم.
بداية المقاومة من الجنوب
1. سقنن رع تاعا الأول وأبوفيس
بدأت الشرارة الأولى للمقاومة من طيبة بقيادة الملك “سقنن رع تاعا الأول”. وفقًا لبردية سالييه الأولى، أرسل ملك الهكسوس “أبوفيس” خطابًا ساخرًا يشتكي فيه من صوت أفراس النهر في طيبة التي تزعجه في أواريس، على بُعد أكثر من 700 كيلومتر! وهو ما كان ذريعة لافتعال صراع مسلح. وهكذا بدأ الصراع. وقد ساندت الملك زوجته القوية “تيتي شيري”، التي تنتمي لأصول شعبية، وهي جدة الملك أحمس الأول.
استُشهد سقنن رع في المعركة، ووجدت جمجمته وبها آثار ضربات دامية، ما يعكس ضراوة المعركة، ويجعله أول شهيد في ملحمة التحرير.
2. كامس – ابن سقنن رع
ورث “كامس” العرش وقاد الحرب ضد الهكسوس بحماسة كبيرة، وحقق عدة انتصارات، واستطاع الوصول بجيوشه إلى أطراف دلتا النيل. وتعد لوحة “كامس” التي تحدّث فيها عن مخاطر الهكسوس من أهم الوثائق التي تسجل بطولاته. ومن آثاره الدالة على كفاحه: لوح كارنرفون، ولوحتا كامس الأولى والثانية.
3. أحمس الأول – محرر البلاد
استكمل الملك “أحمس الأول” – شقيق كامس – مسيرة المقاومة، ونجح في تحرير مصر بالكامل من الغزاة، وطارد الهكسوس حتى جنوب فلسطين. وقد وثق القائد العسكري “أحمس بن أبانا” هذه البطولات في سيرته الذاتية المنقوشة في مقبرته، كما سجلت بردية ريند ومعبد أبيدوس تفاصيل النصر الكبير. هذا النصر دشن بداية عصر الدولة الحديثة، وفتح فصلًا جديدًا من القوة المصرية في السياسة والحرب والاقتصاد.
أيّاح حتب: الأم التي أشعلت الثورة
من الشخصيات المؤثرة في هذا النضال، كانت “إعح حتب”، زوجة سقنن رع وأم أحمس، التي لعبت دورًا كبيرًا في تعبئة الجيش وتنظيم الجبهة الداخلية. وصفها ابنها أحمس بأنها “التي جمعت الجيش، وحمت مصر، وطردت المتمردين”. وقد عُثر في قبرها على أوسمة عسكرية وأسلحة، ما يعكس مكانتها ودورها الاستثنائي.
الخلاصة
الهكسوس لم يكونوا مجرد غزاة في صفحات التاريخ، بل كانوا جزءًا من ملحمة تاريخية عظيمة، واجه فيها المصريون الخطر بالوحدة والشجاعة. قاد الملوك، والنساء، والجنود، وكل أبناء الوطن مقاومة طويلة، انتهت باستعادة الأرض والكرامة. ومن قلب طيبة، بدأت الثورة، وامتدت حتى طُرد آخر غازٍ من مصر، لتُسطر بذلك واحدة من أروع حكايات التحرر الوطني في تاريخ الحضارات القديمة.