بقلم الكاتبة الصحفية / سهام فودة
يُفترض أن تكون الدراما مرآة تعكس تطور المجتمع، تنقل همومه، وتضيء زواياه المظلمة، لكنها أصبحت في كثير من الأحيان مجرد ساحة للفوضى الفنية، حيث تتراجع القيم أمام موجات الإسفاف، وتتحول المرأة المصرية من رمز للقوة والتضحية إلى صورة مشوهة تخالف حقيقتها. فهل أصبحت الدراما عبئًا على المجتمع بدلًا من أن تكون وسيلة لنهضته؟
المرأة المصرية.. بين التهميش” “والتشويه
لعقود طويلة، لعبت المرأة المصرية دورًا محوريًا في بناء الأسرة والمجتمع، لكن بعض مسلسلات رمضان الأخيرة تُصرّ على تقديمها في صورة سلبية: إما مستهترة لا تهتم سوى بالمظاهر، أو ضعيفة لا تملك قرارها، أو متسلطة تهدم بيتها بيدها! والأخطر أن هذه الصورة أصبحت متكررة حتى كادت تترسخ في الوعي الجمعي، متجاهلة نماذج النساء المكافحات والعاملات والمثقفات اللواتي يصنعن فرقًا حقيقيًا في المجتمع.
.حوارات بلا حياء.. هل أصبحت الجرأة وقاحة؟
لم يعد الغريب في دراما رمضان هو استخدام لغة الشارع، بل في أن هذه اللغة لم تعد تمثل حتى الشارع المصري نفسه! فبين الألفاظ القاسية، والإيحاءات التي تخجل منها الأسر في بيوتها، تحولت الحوارات إلى سوق مفتوحة للابتذال، تحت شعار الواقعية والجرأة. لكن هل هذه “الجرأة” ضرورة درامية، أم أنها مجرد وسيلة رخيصة لجذب الانتباه وإثارة الجدل على حساب القيم والأخلاق؟
“القيم الأسرية في مهب الريح”
إذا كانت الدراما تُشكّل وعي الأجيال، فما الذي تزرعه هذه الأعمال في عقول الشباب والأطفال؟ كيف يمكن أن نبني مجتمعًا سويًا بينما يتربى الجيل الجديد على مشاهد العنف المبالغ فيه، والخيانة التي تُقدَّم كأمر عادي، والعلاقات المشبوهة التي يتم تبريرها تحت مسمى “الاختلاف”؟ لقد كانت الدراما المصرية يومًا ما مدرسة للقيم والمبادئ، فمتى تعود إلى دورها الحقيقي؟
من المسؤول عن هذا الانحدار؟
لا يمكن إلقاء اللوم كله على صناع الدراما فقط، فالمسؤولية مشتركة بين المنتجين، والرقابة، والجمهور نفسه. فطالما أن المشاهد يتقبل هذه الأعمال ويدعمها بالمشاهدة، ستستمر في التمدد كالنار في الهشيم. لكن هل آن الأوان لأن يتحرك الجمهور الواعي ويطالب بدراما تحترم عقله وأخلاقه؟
توجيهات الرئيس السيسي.. دعوة” “لاستعادة القيم
في ظل التحديات التي تواجهها الدراما المصرية، جاءت توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي لتسلط الضوء على ضرورة العودة إلى القيم المصرية الأصيلة في الأعمال الفنية. خلال مشاركته في الإفطار السنوي للقوات المسلحة، دعا الرئيس صناع الدراما إلى تقديم محتوى إيجابي يساهم في بناء الوعي المجتمعي، مشددًا على أهمية عدم رعاية الأعمال التي تروج للهزل أو الغث، والتي لا تساهم في بناء الأمة.
وأكد الرئيس السيسي على ضرورة أن تسهم الأعمال الدرامية والإعلامية في تعزيز الأخلاق والقيم المصرية الأصيلة، مشيرًا إلى أن للفن دورًا يتجاوز التسلية، ليكون وسيلة لبناء المجتمع وتقدمه. كما أشاد بتجارب فنية تقدم محتوى هادف، داعيًا إلى دعم مثل هذه المبادرات التي تعكس القيم الإيجابية.
دراما تحترم الهوية.. هل هذا طلب مستحيل؟
نحن لا نطالب بدراما موجهة أو مثالية، بل نطالب بأعمال تطرح قضايا حقيقية دون أن تسقط في مستنقع الانحطاط الأخلاقي. نريد قصصًا تعبر عن الناس دون أن تسخر منهم، نريد شخصيات تُلهمنا لا تُفسد أذواقنا، ونريد أعمالًا تجعلنا فخورين بدراما بلدنا بدلًا من أن نخجل مما يُعرض على شاشاتنا.
كلمة أخيرة
دراما رمضان يجب أن تكون فرصة للإبداع، وليس مساحة للتجريب العشوائي على حساب الأخلاق والهوية. إن توجيهات الرئيس السيسي تمثل دعوة صريحة لصناع الدراما لتحمل مسؤولياتهم تجاه المجتمع، وتقديم محتوى يليق بتاريخ الفن المصري، ويعكس الهوية والقيم الأصيلة للشعب المصري. فإلى متى سنظل نبحث عن عمل درامي يجمع بين القيمة والمتعة؟ ومتى يدرك صناع الدراما أن النجاح الحقيقي لا يُقاس بعدد المشاهدات، بل بمدى التأثير الإيجابي في المجتمع؟