كتب د / حسن اللبان
مصر والصومال.. اتفاق للدفاع المشترك
ويأتي توقيع البروتوكول العسكري في خضم تساؤلات بشأن انعكاسات ذلك على الوضع في مقديشو، ومدى ارتباطه بتعزيز الأمن بمنطقة القرن الإفريقي.
وعلق الخبير في الشؤون الإفريقية رمضان قرني في تصريحات للرسالة العربية مؤكدا أن “زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود للقاهرة، ومخرجات القمة المصرية الصومالية تحمل العديد من الدلالات الاستراتيجية، سواء على الصعيد الثنائي أو التعاون الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي”.
ونوه بأن “هذه الزيارة تأتي في مشهد معقد ومرتبك إقليميا بمنطقة القرن الإفريقي، في ضوء تداعيات الحرب في السودان، وفشل جهود الوساطة والتهدئة التركية بين إثيوبيا والصومال، بجانب استمرار التداعيات الاقتصادية للتغيرات المناخية بالمنطقة”.
وأشار إلى أن “القمة المصرية الصومالية، رسخت نهجا جديدا في العلاقات بين البلدين، وهو انتظام آلية القمم الرئاسية، أو ما يعرف بدبلوماسية القمة، حيث تعد تلك القمة هي الرابعة بين الرئيسين السيسي ومحمود خلال العامين الماضيين”.
وقال إن “القمة وجهت العديد من الرسائل الاستراتيجية للمحيطين الإفريقي والدولي أبرزها:
1. تأكيد قيادتي البلدين على العلاقات التاريخية والتحالف الاستراتيجي بينهما.
2. توقيع اتفاق للتعاون العسكري يرسخ مرحلة مهمة من التعاون، في ضوء الجهود المصرية لدعم وبناء القدرات الوطنية الصومالية في المجالين الشرطي والعسكري، من خلال آلية التدريب، والإمداد بالمعدات والأجهزة، والمساهمة في إعادة بناء المؤسسات الأمنية الصومالية.
3. تمسك القاهرة بموقفها المبدئي بوحدة الأراضي الصومالية، ورفض تقسيم الصومال، أو الاعتراف بالأقاليم الانفصالية، وهو أمر راسخ منذ اندلاع الحرب في الصومال 1991.
4. تعويل الصومال على الدعم المصري في مواجهة الاتفاق العسكري بين إقليم أرض الصومال وإثيوبيا، وهو الأمر الذي أكدته زيارة “محمود” للقاهرة يناير الماضي، عقب توقيع الاتفاق، واستقبال مقديشو ، وفد مصري رفيع المستوى.
5. استمرار التنسيق المصري مع الأطراف الإقليمية الفاعلة – تركيا- لتجنيب مقديشو تداعيات هذا الاتفاق، والحفاظ على سيادة الصومال.
6. التشبيك المصري مع الجهود الإقليمية لحفظ الأمن في الصومال ، من خلال إعلان القاهرة المشاركة في بعثة حفظ السلام الأفريقية بالصومال مطلع عام 2025.”
من جانبه، قال الخبير المصري فى الشؤون الإفريقية رأفت محمود إن “توقيع اتفاق دفاع مشترك بين مصر والصومال استكمالا لخطوات مصرية مدروسة تمت خلال الفترة الماضية للوقوف مع الصومال لدعم وحدته وسيادته على أراضيه خاصة في ضوء الاضطرابات الأمنية التي يشهدها الصومال منذ عدة عقود وكذلك في ضوء الاتفاق بين أرض الصومال وإثيوبيا بشأن حصول إثيوبيا على تسهيلات بحرية في ميناء بربرة على البحر الأحمر مقابل الاعتراف بأرض الصومال ومزايا أخرى، وهو الاتفاق الذي صرحت مصر بأنها ترفضه ولا تعترف به لأنه يمس سيادة الصومال ووحدة أراضية وأيضًا في ضوء الصراع بين الطرفين حول سد النهضة الإثيوبية وما أثارة من إشكاليات عديدة تتعلق بالنوايا الأثيوبية الحقيقية من وراء بناء السد حيث لم تقم إثيوبيا بإبداء حسن النوايا تجاه دول المصب منذ البدء في تدشينه في عام 2011 وهو الذي شهد اضطرابات امنية وسياسية في مصر”.
وقال الخبير المصري: “للتذكير بشان ميناء بربرة فهو يقع على الساحل الجنوبي لخليج عدن عند مدخل مضيق باب المندب، رابع أهم المعابر البحرية العالمية للتزود بالطاقة والمؤدي إلى قناة السويس، وهو من أقدم الموانئ الصومالية، ويوصف هذا الميناء بأنه مفتاح البحر الأحمر. ويمثل عامل الاستقرار الأمني لأرض الصومال ويُنظر إليه كبديل مستقبلي محتمل لميناء جيبوتي في المنطقة، فالموقع يوفر للدولة التي تستحوذ عليه موقعًا فريدًا للحصول على دور أكثر تأثيرا على القضايا الاقتصادية والتجارية في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر”.
ونوه رأفت بأنه قد بدأ التركيز الإثيوبي على جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها مبكراً حيث وقعت إثيوبيا اتفاق مع أرض الصومال حول استخدام ميناء بربرة منذ عام 2005 ولكنه لم يدخل حيز التنفيذ لأسباب الاعتراف القانوني الدولي بأرض الصومال بالإضافة إلى الخدمات اللوجتسية التي لم يقدر الاقتصاد الإثيوبي على تحملها في تطوير الميناء.
وقال الخبير إن الرئيسين المصري والصومالي رحبا بالخطوات المتبادلة بين الدولتين لتعميق التعاون الثنائي، ومن بينها خط طيران مباشر بين القاهرة ومقديشيو، وإعادة افتتاح السفارة المصرية في مقديشيو، بالإضافة إلى بروتوكول التعاون العسكري.
وتابع: “في الحقيقة الخطوة المصرية تحمل عدة أبعاد منها ما يتعلق بمواجهة التعنت الإثيوبي تجاه سد النهضة وكذلك مواجهة الخطط الإثيوبية تجاه الصومال والذي يعد عمق استراتجيى لمصر في المدخل الجنوبي في البحر الأحمر، وان الوجود الحربي البحري الإثيوبي في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وفق الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال يعد بمثابة عامل ضغط على المصالح المصرية في المنطقة والتي تشهد اضطرابات أمنية بالفعل من خلال القرصنة سابقًا وما تقوم به جماعة الحوثيين في اليمن من مهاجمة السفن”.
وأشار إلى أنه للدلالة على أهمية الحصول على ميناء تجاري وحربي لإثيوبيا في تلك المنطقة فقد سبق وأن ألقى رئيس الوزراء الإثيوبي يوم 13 أكتوبر 2023 خطابًا حول ما أسماه الضرورة الوجودية، لإثيوبيا في الوصول إلى منفذ في البحر الأحمر، حيث تسعى لإبراز هيمنتها في منطقة الشرق والقرن الإفريقي هناك رغبة منها في توسيع نفوذها على الصعيد القاري، ولتحقيق ذلك وجدت إنه عليها حل معضلة أسر الجغرافيا السياسية لها والبحث عن منافذ بحرية دائمة تقلل من حدة المعضلة الجغرافية التي تعانيها منذ استقلال إريتريا عام 1993 وفقدانها مينائي عصب ومصوع المنفذين المطلين على البحر الأحمر، فقد ظلا هذان الميناءان يمثلان جزءاً من الجغرافيا السياسية للإمبراطورية الإثيوبية طوال قرون ماضية، وما تبع ذلك من تفكيك قوتها البحرية وافتقاد جزءًا كبيرًا من قوتها الإقليمية.
واعتبر رأفت أن “اتفاقية الدفاع المشترك بين الدولتين تلبى أبعاد استراتجية لدى الدولتين سواء في الحصول على الخبرات الأمنية المصرية لاستقرار الصومال بعد انسحاب قوات الاتحاد الافريقي وكذلك الوقوف في وجه الأطماع الاثويبية الواضحة في أراضي الصومال خاصة انها تحتل بالفعل إقليم اوجادين الصومالي وضمته إلى أرضه ومن ناحية أخرى تحتاج مصر الى مواجهة التغيرات الجيواستراتيجية في منطة القرن الافريقي والتي منها الوجود الأجنبي سواء الاقليميى او الدولي والذي بات يهدد المصالح المصرية وأخيرا الوقوف في وجه الاطماع الاثيوبية لدى دولة تمثل عمق استراتيجى لمصر”.
واختتم قائلا: “كذلك إيضاح للقيادة الاثيوبية بالقدرة المصرية على الوجود على الحدود الإثيوبية مباشرة بواسطة قوات مصرية وحرمانها من أن تستحوذ على ميناء بحري يفك أسر الجغرافيا السياسية لها بعد أن باتت دولة حبيسة بعد استقلال أريتريا وبما يعطى مصر مزايا استراتيجية تجاه إثيوبيا وعامل ضغط على صانع القرار الاثيوبي الذي يدرك أن اثيوبيا الحبيسة لا يمكن أن تمارس دورا إقليميا فاعلا وأن هذا الدور في احتياج حتمي للوجود البحري في المنطقة”.