كتب / رضا اللبان
هذه واحدة من أبشع التجارب التي قام بها الإنسان لدراسة سلوكيات الحيوانات ،بدأت بنعيم وأنتهت بجحيم!
لكن كيف ذلك ؟
في عام 1968 ، بنى عالم مجنون إسمه جون بي كالهون مستعمره للفئران سمى نموذجه ب Universe 25 ، او الكون 25 للمدينة الفاضلة
لدراسة آثار الكثافة السكانية مع الرفاهية والرخاء على السلوك الاجتماعي
وفّر في المستعمرة كل ما تحتاجه الفئران من الغذاء و المياه والأعشاش والبيئة المثالية مثل ، الأمان ، درجات الحرارة المستقرة و التنظيف المستمر
ثم وضع أربعة أزواج (8 فئران) من الفئران البُنية السليمة صحيّاً في المستعمرة
ثم بدأ في مراقبة تكاثرها ، معدل نموها ، سلوكها و صحتها
إستغرقت الفئران عدة شهور حتى تأقلمت على بيئتها الجديدة ثم بدأت الأزواج في التكاثر ، زاد عدد السكان بشكل كبير ، حيث تضاعفت الأعداد كل 55 يومًا تقريبا.
في اليوم 315 ، وصل تعدادها إلى أكثر من 600 فأر في المستعمرة ، إكتظ المكان بالأعداد الكبيره و أزدحم للغاية
ولكن كان لهذا التضخم تبعيات كثيرة…
نتيجة لذلك
-بدأ تكاثرها في الإنخفاض بشكل ملحوظ بعد اليوم 315
-تشكلت فيما بينها تسلسل هرمي إجتماعي
حيث تفرض الذكور القوية سيطرتها ،زادت الصراعات و القتال بين الذكور على المكان والسلطة و الإناث والطعام
لاحظ كالهون أنه عندما يخسر فأر الصراع ينطلق إلى زاوية بعيدة ليبدأ من جديد في مكان آخر
ثم ظهر ما يسمى بـ “البؤساء” بدأت الفئران الأكبر حجمًا في مهاجمة المجموعات الأخرى الاصغر حجما والأضعف
مما أدى إلى “الانهيار” النفسي للعديد من الذكور، ونتيجة لذلك ، قامت الإناث بحماية أنفسهن وأصبحن بدورهن عدوانيات تجاه صغارهن مما يعني تخليهن عن واجباتهن نحو صغارهن
-أصبحت الذكور الشابة تتصارع على المكان و تتقاتل أكثر فأكثر
في اليوم ال 560 ، بلغ عدد السكان ذروته عند 2200 فأر.
انعزلت بعض الإناث الى اعشاشها ، فضلت الإناث الاخرى فطام صغارها مبكراً و طردهم من الاعشاش
((في البرية تُقتل الصغار نتيجة الافتراس لكن في بيئة المستعمرة وجد الصغار أنفسهم قد ولدوا في عالم ليس لهم فيه أي دور اجتماعي))
انهارت قدرة الفئران على تكوين روابط اجتماعية وانعدام الروح الإنجابية
ترتب على ذلك إنخفاض في معدل الولادة ، وفي نفس الوقت زيادة في معدل وفيات الفئران الأصغر سنا (الرُضع)، ثم ظهرت فئة جديدة من ذكور القوارض ، تسمى ” الفئران الجميلة”
ظهرت الاضطرابات السلوكية بين الذكور فقد تراوحت من الانحراف الجنسي “كما يصطلح كالهون” إلى سلوك أكل لحوم الفئران الأخرى ومن النشاط المفرط إلى الانسحاب حيث يخرج الأفراد للتنقل وتناول الطعام والشراب فقط عندما يكون أفراد المجتمع الآخرون نائمين
مع مرور الوقت كافح الذكور للإحتفاظ بزوجاتهم في أعشاش خاصة ، وكان عليهم الدفاع عنهن ضد المنافسين.
ولكن بالنظر إلى عدد الفئران التي نجت حتى سن الرشد ، كان هناك دائمًا عشرات من الفئران العدوانيه الجاهزة للقتال.
سرعان ما استنفدت قوة الذكور المسيطرة ، وتوقف البعض عن الدفاع عن أعشاشهم تمامًا.
رفضت الإناث التزاوج و البعض كانت تموت عند الولادة
عندما توقفت الفئران عن التكاثر ، أصبح شبح الإنقراض وشيك
في عام 1970 ، بعد أقل من عامين من الدراسة ، وُلد آخر فأر لأن الفئران وصلت لعمر الشيخوخه
فينهاية اليوم 920 من عمر التجربة ، مات آخر فأر في 23 مايو 1973
بعد إنتهاء التجربة ، نشر كالهون بحثه عن مستعمرة الكون 25 عام 1973
تحت عنوان “مربع الموت ، النمو الهائل وموت مجموعات الفئران.”
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يبني فيها كالهون عالماً للقوارض ، حيث بنى بيئات مثالية للجرذان والفئران منذ الأربعينيات، وكانت النتائج متسقة تماماً. فيمكن للجنة أن تتحول إلى جحيم.
بالرغم من أن تجاربه كانت تعتمد على تحليل سلوك المجتمعات البشرية من خلال تحليل سلوك مستعمرة فئران إلا أن إجراء التجربة ذاتها على البشر من وجهة نظري قد تكون مشابهة في النتائج النهائية