بقلم الكاتبة الجزائرية / يامنة بن راضي
يقال ليست كل الغيوم تحمل مطرا، وهو كلام معبر يمكننا أن نتخذة كمقياس نقيس به ظاهرة مجتمعية ملفتة جدا و تعرف انتشارا رهيبا في أوساط مجتمعاتنا العربية الغارقة في بحر من التناقضات المحيرة، الا وهي الإهتمام المفرط بالمظاهر الى درجة العبادة في مرات كثيرة ، وعلى الرغم من أن حكمة الأسلاف تقول دائما ” لا تغرنك المظاهر لأنها تخدع وابحث عن البواطن ففيها تزرع النوايا، غير أن السواد الأعظم من مواطني مجتمعنا العربي يتنفسون ذلك الوهم ولا يجدون غضاضة في إختلاق تلك المظاهر المزيفة متكلفين في ذلك كل سبيل حتى لو كان شاقا، فنجد ذلك واضحا جليا في الحياة اليومية لهؤلاء في دورهم ومركباتهم وعلى موائدهم، بل تجاوزت هذه الظاهرة الأفراح الى الأتراح، ليبقى المظهر الجيد والبراق والخاطف للأبصار هو سيد الموقف في كل تفاصيل يومياتهم، التي لا ريب باتت مصطنعة بامتياز سيما مع هذا التطور التكنولوجي المذهل، والذي ساعد بدوره على إفراغ الفرد العربي من هويته الحقيقية بل وإنسانيته في كثير من الأحيان ..
تسير أغلب مجتمعاتنا العربية وفق قاعدة ” من لا يعرف التصنع لا يعرف العيش “، فأزاحت المظاهر وبضربة قوية الإحتياجات الضرورية للإنسان العربي، فتجده يعيش حياة ضنكا منهك نفسيا وماديا وقد يورد نفسه موارد التهلكة فقط حتى يحصل على ما تستحسنه عيون الآخرين، وهو في خضم هذه المعركة الوهمية التي تستنزف جهده و وقته وجيبه يغفل عن الإتيان بما يطور ويكمل ويجمل حقيقته البشرية جوهره الإنساني.. شخصيته و أخلاقه و معرفته، وفي المقابل يركض ركض الوحوش هنا وهناك تاركا أعصابه فريسة للقلق والترقب والوجل من أجل سيارة من طراز معين تسر الناظرين أو من أجل أثاث منزل يمدحه الجيران والأقارب، غير آبه بما يحمله قلبه من أدران كان أولى أن تطهر، و هناك من يدفع المال والرشوة حتى يبتاع لقب ” يا دكتور ” فحتى الألقاب العلمية أصبحت ضمن البريستيج الإجتماعي و هلم جرا، والجميع يشرب من هذا النهر المسكر للظفر بنشوة الثناء عليه من قبل الآخر الذي لا يقل هوسا بالمظاهر، تلك التي جعلت غالبية الأسر العربية تعيش تحت ضغط نفسي مرهق لأنها تتحمل ما لاتطيق ..
يقول المثل الجزائري ” يا المزوق من برا واشحوالك من داخل” ..والعبارة بالعامية الجزائرية تحمل سؤالا عاما ” يا من تجمل نفسك من الخارج ..كيف حالك من الداخل ” ، وهي بحق تلخص لنا مدى التناقض الذي يقع فيه المرء بين الروعة الخارجية والحضيض الداخلي، وفي هذا الصدد أتذكر حديثي قبل فترة مع سيدة عجوز بلغت من الكبر عتيا عندما ذكرت لي ” لو لا هذا المجتمع المادي الذي يتماشي مع المظاهر لما اضطر الأشخاص إلى إرهاق أنفسهم وجيوبهم حتى لجئوا الى الديون حتى يوفروا ما عند الآخرين وحتى يرى هؤلاء ما يملكون ..ثم اختصرت الكلام بجملة مفيدة ..نحن في زمن نعيش فيه للآخرين وليس لأنفسنا” ولقد صدقت العجوز الحكيمة وها نحن في زمن يقدس المظاهر ويضرب عرض الحائط كل الأشياء الأخرى مهما بلغت قيمتها ..
لا مجال للشك أننا نساهم و بشدة في تحطيم أجيالنا ومصائر أوطاننا إذ كيف نحث أبناءنا على النجاح والإنجاز ثم نضع نصب أعينهم نماذج لا تصلح لذلك بل على العكس أفسدنا من حيث كنا نريد أن نصلح، نرسلهم لتلقي العلم والفضيلة وقيم القناعة والأمانة وإذا بهم بواقع مناقض تماما، فكيف ستنشأ هذه الأجيال و ما نوع المستقبل الذي ينتظرهم ؟ ..
ليتنا ندرك خطورة انغماسنا التام في المظاهر الخادعة وانشغالنا بها عن تطوير ذواتنا وتهذيب دواخلنا وتحسينها، ففي النهاية كلنا سواء من آدم وكلنا من تراب ولا أفضلية لأحد على الآخر الا بعمله الصالح على هذه الأرض ..ولقد أحسن أبو العتاهية حين قال ..
نأتي الى الدنيا و نحن سواسية ..طفل الملوك كطفل الحاشية
ونغادر الدنيا ونحن كما ترى
متشابهون على قبور حافية ..
وختاما نقول أنت بالجوهر إنسان لا بالمظهر .