كتب د / حسن اللبان
“هجرة الأطباء” من أكثر الملفات المقلقة في مصر، وتتكرر تحذيرات نقابة الأطباء من خطورة المناخ الطارد للأطباء، في حين تعترف الحكومة بالأزمة وتضع خططا لحلها.
وبحسب بيانات وزارة الصحة المصرية يصل عدد خريجي كليات الطّب سنويا نحو 9 آلاف طبيب، لكن أكثر من 60% منهم يعملون خارج مصر.
حجم الأزمة
في 2018 حذرت دراسة حكومية من قلة عدد الأطباء العاملين، وأوضحت الدراسة أن أعداد الأطباء البشريين المرخص لهم مزاولة مهنة الطب حتى آخر عام 2018 – بدون أطباء المعاش – يقرب من 213 ألف طبيب، بينما من يعمل وقتها فعليا في مختلف الجهات (وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية والخاصة وغيرها) لا يزيد على 82 ألف طبيب، بنسبة 38% من القوة الأساسية المرخص لها بمزاولة مهنة الطب.
وفي أبريل/ نيسان العام الماضي أصدرت نقابة الأطباء المصرية، تقريرا بعنوان “نقابة الأطباء تدق ناقوس الخطر”، حذرت فيه من استمرار عزوف الأطباء عن العمل في القطاع الحكومي، وتزايد سعيهم للهجرة خارج البلاد.
في هذا التقرير كشفت النقابة عن استقالة أكثر من 11 ألف طبيب من العمل بالقطاع الحكومي منذ عام 2019، من بينهم نحو ألف طبيب خلال الثلاثة شهور الأولى في عام 2022.
وطالبت النقابة الحكومة بـ”التدخل لتصحيح الأخطاء وتحسين منظومة الصحة بجميع أطرافها”، والقضاء على معوقات استقرار المنظومة الصحية، خاصة “العجز الشديد في أعداد الأطباء”.
يبلغ معدل الأطباء في مصر 8.6 طبيب لكل 10 آلاف مواطن، أي أقل من طبيب لكل 500 مواطن، في حين يصل معدل الأطباء العالمي إلى نحو 23 طبيبا لكل 10 آلاف مواطن، وهو ما يشير إلى عجز كبير في عدد الأطباء في مصر.
اعتراف حكومي
في فبراير/ شباط 2022، بينما كان الرئيس عبد الفتاح السيسي يشهد فعالية المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، تطرق إلى مسألة هجرة الأطباء، وقال نصا: “الناس بتسبنا علشان فرصة عمل في حتة تانية علشان يعيش.. الأطباء اللي بيمشوا.. هو أنا بديله مرتب كويس ولا مش عاوز أديله مرتب كويس؟ أنا مش قادر أديله مرتب كويس”.
وفي أغسطس/ آب الماضي اجتمع السيسى برئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزير الصحة خالد عبدالغفار، ومستشار الرئيس لشؤون الصحة والوقاية الدكتور محمد عوض تاج الدين، ووجه بحسب بيان لرئاسة الجمهورية وقتها “بتقديم حزم تحفيزية للأطباء بتطوير منظومة مالية من شأنها الارتقاء بدخل الطبيب وتحسين بيئة العمل الخاصة بهم، لا سيما في التخصصات الطبية النادرة، مع منح امتيازات خاصة للأطباء العاملين في المحافظات النائية، وكذلك تعديل منظومة تكليف الأطباء بالكامل”.
وفي وقت سابق كشف الدكتور حسام عبد الغفار المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، أن الحكومة تسعى إلى زيادة عدد خريجي كليات الطب من 8 آلاف إلى 10 آلاف سنويا.
وأضاف في تصريحات صحفية، أن “هناك فرصة لخريجي كليات الطب في الحصول على فرصة للتدريب وفقا للتخصص، بجانب خطة لتطوير وزارة الصحة بشكل شامل “بدأ العمل فيها منذ 4 سنوات فقط”.
لماذا يهاجر الأطباء
ضعف الأجور والمناخ غير الملائم وضغط العمل، جميعها عوامل دفعت الطبيب المصري عبد الرحمن صالح للتفكير في الهجرة، لافتا في حديث مع “سبوتنيك” إلى أن الأطباء في مصر يعانون الكثير من المشاكل سواء من ناحية الأجور أو من ناحية بيئة العمل، التي يعتبرها “طاردة للأطباء وليست جاذبة لهم”.
ورغم أن عبد الرحمن طبيب امتياز (حديث التخرج) إلا أنه يؤكد أن الكثيرين من زملائه يفكرون أيضا في الهجرة للعمل خارج البلاد.
لا ينفي عبد الرحمن إحساس الأطباء بالمسؤولية تجاه بلدهم وأهلهم، “لكن أيضا هناك العديد من العوامل تدفعهم نحو التفكير جديا في الهجرة”.
يشير الأطباء الذين تحدثوا لـ”سبوتنيك” إلى أربع مشاكل أساسية تواجههم؛ الأجور، ضغط العمل، ضعف الإمكانيات، قلة عدد الأطباء.
يقول عبد الرحمن العجز في عدد الأطباء، يؤدي إلى زيادة الضغط على الطبيب، حيث يقوم بالعمل لأكثر من ساعات العمل الرسمية في أحيان كثيرة، ويجري كشوفات بأعداد كبيرة يوميا، وبحسب النائبة في البرلمان المصري والطبيبة إيناس عبد الحليم، يعمل الطبيب نحو 96 ساعة في الأسبوع، بينما ينص قانون العمل المصري على أنه لا يجوز تشغيل العامل أكثر من 8 ساعات يوميا أو 48 ساعة أسبوعيا.
ويشير الطبيب أحمد عمر، في حديث مع “سبوتنيك” إلى مشكلة أخرى يعاني منها الأطباء في مصر، وهي ضعف المردود المادي، بالمقارنة حتى بتكلفة التعليم التي تحملها أثناء دراسته.
يتراوح راتب الطبيب بين 3200 و4000 جنيه، أي ما بين 100 و150 دولارا أمريكيا شهريا.
فيما يكشف كمال محمد “طبيب نساء”، جانبا آخر من المشاكل التي تدفع الأطباء إلى الهجرة، ويشير في حديث لـ”سبوتنيك”، إلى ضعف الحماية القانونية للطبيب، لافتا إلى تعرض الأطباء لاعتداءات من المواطنين، مستنكرا الثقافة المنتشرة بأن الطبيب هو المسؤول عن كل أزمات الصحة في مصر.
وتطالب نقابة الأطباء بتغلظ العقوبات على المعتدين على الطواقم الطبية، مشددة على ضرورة الانتهاء سريعا من قانون “المسؤولية الطبية” الذي يناقش داخل لجنة الصحة في مجلس النواب حاليا