كتب د / حسن اللبان
أنهى البنك المركزي المصري عام 2025 بأوسع دورة تيسير نقدي منذ أكثر من أربع سنوات ونصف، بعدما بلغ إجمالي التخفيضات في أسعار الفائدة نحو 725 نقطة أساس، فيما كان آخر خفض بنسبة 1% في اجتماع لجنة السياسات النقدية خطوة إضافية ضمن المسار الأكبر للتيسير النقدي.
وقرّرت لجنة السياسة النقدية في اجتماعها الأخير خفض سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية بواقع 100 نقطة أساس إلى 20.00% و21.00% و20.50% على الترتيب، كما تم خفض سعر الائتمان والخصم ليصل إلى 20.50%، ويأتي هذا القرار انعكاسًا لتقييم اللجنة لآخر تطورات التضخم وتوقعاته منذ الاجتماع السابق .
ويشير تقرير البنك المركزي إلى أن الاقتصاد العالمي واصل تعافيه النسبي، رغم استمرار حالة عدم اليقين بشأن السياسات التجارية والتوترات الجيوسياسية وتباطؤ نمو الطلب العالمي، كذلك تراجعت أسعار النفط نتيجة تجاوز المعروض لمستويات الطلب، في حين شهدت أسعار السلع الزراعية اتجاهات متباينة
وقال رئيس بنك التنمية الصناعية السابق، ماجد فهمي، إن سعر الفائدة يمثل عنصرًا أساسيًا للمستثمرين المحليين والأجانب، موضحًا أن المستثمر عادة لا يغطي التكلفة الاستثمارية بالكامل من رأس المال الخاص، بل يعتمد على التمويل البنكي لتغطية باقي التكلفة، ما يجعل تكلفة الاقتراض عاملًا مهمًا عند اتخاذ قرارات الاستثمار.
على المستوى المحلي، أظهرت تقديرات البنك المركزي للربع الرابع من 2025 تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنحو 5.0% مقابل 5.3% في الربع السابق، مدفوعًا بقطاعات الصناعات التحويلية غير البترولية والتجارة والاتصالات.
وأشار البنك المركزي إلى أن هذا النمو سيستمر في دعم الانخفاض المتوقع للتضخم على المدى القصير، حيث من المتوقع أن تظل الضغوط التضخمية محدودة من جانب الطلب في إطار السياسة النقدية الحالية، كما واصلت البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة والناشئة اتباع نهج حذر من خلال التيسير التدريجي للسياسات النقدية، مع بقاء التوقعات العالمية عرضة لمخاطر اضطرابات سلاسل الإمداد وتصاعد التوترات الجيوسياسية.
وأضاف ماجد فهمي، في تصريحات خاصة لـ CNN بالعربية، أن تخفيض الفائدة يهدف بشكل رئيسي إلى تشجيع الاستثمار والتحكم في عجز الموازنة العامة للدولة، مؤكدًا أن انخفاض تكلفة التمويل يمنح المستثمرين مساحة أكبر للتخطيط والنمو وتحفيز النشاط الاقتصادي خلال 2026.
وأوضح فهمي أن تراجع التضخم منح البنك المركزي قدرة أكبر على خفض أسعار الفائدة، لافتًا أن الفائدة ليست العامل الوحيد المؤثر على التضخم، بل هناك عوامل أخرى مثل سعر الصرف وحركة الأموال الساخنة، مؤكدًا أهمية تشخيص أسباب التضخم لتحديد مسار السياسة النقدية.
وسجّل المعدل السنوي للتضخم العام 12.3% في نوفمبر/تشرين الثاني 2025 على الرغم من الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود، فيما تراجع المعدل السنوي لتضخم السلع الغذائية إلى 0.7%، وهو أدنى مستوى منذ أكثر من أربع سنوات، بينما بلغ المعدل السنوي للتضخم الأساسي 12.5% نتيجة ارتفاع أسعار السلع غير الغذائية وخاصة الخدمات.
كما بلغ التضخم في الشهر الماضي 0.3% للتضخم العام و0.8% للتضخم الأساسي، بما يعكس اعتدال التطورات مقارنة بالأنماط الموسمية المعتادة وتحسن توقعات التضخم والتلاشي التدريجي لآثار الصدمات السابقة.
وقال فهمي إن الموازنة العامة للدولة والمستثمرين هم المستفيدون الرئيسيون من دورة التيسير النقدي، موضحًا أن المواطن يتأثر أيضًا، خاصة من يعتمد على الفوائد من شهادات الادخار والمعاشات، حيث قد يدفعه خفض الفائدة للبحث عن بدائل استثمارية، مثل الذهب أو العقارات أو أسواق المال، مؤكدًا أن أسواق المال تعتبر المستفيد الأكبر من تخفيض الفائدة بسبب زيادة جاذبية الأسهم وارتفاع السيولة في السوق، ما يدعم نمو الشركات والنشاط الاقتصادي.
وتشير توقعات إلى استقرار المعدل السنوي للتضخم العام قرب 14% في المتوسط على مستوى عام 2025 مقابل 28.3% في 2024، على أن ينخفض تدريجيًا خلال 2026 ليقترب من مُستهدف البنك المركزي البالغ 7% ± 2 نقطة مئوية بنهاية الربع الرابع من العام المقبل.
ويرى البنك المركزي أن وتيرة الانخفاض لا تزال متأثرة ببطء انحسار التضخم في السلع غير الغذائية وتأثير إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة، إضافة إلى المخاطر الصعودية المرتبطة بالتوترات الجيوسياسية العالمية.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي، حسن الصادي، إن خفض أسعار الفائدة يعيد ترتيب أولويات التمويل داخل الاقتصاد، حيث ينتقل التركيز تدريجيًا من الادخار طويل الأجل إلى دعم الاستثمار والإنتاج، موضحًا أن ارتفاع الفائدة خلال الفترات السابقة كان يحفز الأفراد على الادخار، بينما يحد من قدرة الشركات على التوسع والاقتراض.
وأضاف الصادي، في تصريحات خاصة لـ CNN بالعربية، أن تكلفة التمويل من أهم محددات قرارات الاستثمار، إذ تعتمد الشركات في تنفيذ مشروعاتها على مزيج من رأس المال والتمويل البنكي، ما يجعل أي تراجع في الفائدة عنصرًا داعمًا لتسريع خطط الإحلال والتجديد والتوسع.
وأشار الصادي إلى أن خفض الفائدة من شأنه يسهم في تحسين قدرة الشركات على زيادة الإنتاج لتلبية الطلب المحلي، بما يعزز النشاط الاقتصادي ويدعم تحقيق توازن أفضل بين العرض والطلب في السوق.
وقال إن خفض الفائدة بنحو 7.25% خلال عام 2025 يمثل خطوة مهمة في مسار التحول نحو سياسة نقدية أكثر دعمًا للنمو، متوقعًا أن يكون الأثر الكامل لهذه الخطوة تدريجيًا مع استمرار تراجع تكلفة التمويل إلى مستويات أكثر تحفيزًا للاستثمار.
وأكد الصادي أن العلاقة بين التضخم وسعر الفائدة تتطلب إدارة دقيقة تضمن الحفاظ على استقرار الأسعار وفي الوقت نفسه دعم النشاط الاقتصادي.
وأضاف أن خفض الفائدة يفرض ضرورة الاستمرار في تطوير أدوات ادخارية واستثمارية متنوعة، بما يتيح للأفراد خيارات متعددة لإدارة مدخراتهم، ويضمن تحقيق الاستفادة القصوى من دورة التيسير النقدي على مستوى الاقتصاد ككل.

























































