بقلم الكاتبة الصحفية / سهام فودة
ليس كل ما يعلو ضجيجه يستحق الانتباه، وليس كل ما يلمع يُضيء. وفي زمنٍ ازدحمت فيه الشاشات بما يُستهلَك سريعًا ويُنسى أسرع، خرج من بين الزحام صوتٌ مختلف… صوتٌ لا يصرخ، بل يطمئن، لا يُغري بالسطح، بل يوقظ المعنى. فجأةً، اكتشفنا أن القلوب لم تمت، وأن الفطرة لا تزال حيّة، تنتظر فقط من يوقظها بنداءٍ صادق.
في مشهدٍ بالغ الدلالة، استطاع برنامج دولة التلاوة أن يُعيد ترتيب بوصلة الاهتمام، ويُربك المعادلة القديمة التي كانت تقول إن “الانتشار حليف التفاهة”، وأن “التريند لا يصنعه إلا الصخب”. جاء هذا البرنامج ليقول للعالم بهدوء الواثق: لا تزال هناك قلوبٌ تشتاق للنور، وآذانٌ تتوق لما يرقّيها لا لما يستهلكها، وأرواحٌ تبحث عما يسمو بها لا عما يلهيها.
ولعل أجمل ما في هذه الظاهرة ليس الأرقام ولا نسب المشاهدة، بل التحوّل الهادئ الذي حدث داخل البيوت. حكاية لم تكن قصة عابرة؛ زوجة كانت تملأ البيت بالأغاني، فأصبح البيت عامرًا بالقرآن، وطفل كان هاتفه مزدحمًا بالضجيج، فأصبح يمتلئ بأصوات القرّاء. هنا ندرك أننا أمام أمرٍ أعمق من برنامج، نحن أمام صحوة فطرة، وعودة طبيعية للنبع الأول.
لقد أثبت هذا المشهد أن ميادين التفوق لا تقتصر على الرياضة ولا على الشهرة السريعة، بل تمتد لتشمل خدمة الدين، وبناء الروح، وصناعة الوعي، وترميم الأخلاق. فالشاب الذي يحفظ القرآن اليوم، ويستمع إليه، ويتأثر به، هو مشروع إنسان نافع لمجتمعه في الغد، أكثر اتزانًا، أوعى، وأقرب للخير في كل مسارات حياته.
إن ما حدث مع دولة التلاوة ليس مجرد نجاح إعلامي، بل رسالة حضارية عميقة: أن هذه الأمة لا تزال بخير، وأن مصر لا تزال تملك قلبًا نابضًا بالإيمان، وأن الجمال الحقيقي لا يذبل مهما حاولت التفاهة أن تفرض سطوتها. لقد كان البرنامج نبراسًا في زمن العتمة، ودليلًا على أن الطريق إلى القلوب لا يمر عبر الصخب، بل عبر الصدق.
وفي زمنٍ صار فيه “التريند” صناعة مصطنعة، جاء هذا البرنامج ليعيد تعريف المفهوم: التريند الحقيقي هو ما يُصلِح لا ما يُفسد، ما يرفع الإنسان لا ما يبتذله، ما يُنقّي الروح لا ما يُرهقها. ولهذا لم يكن غريبًا أن تمرّ أحداث كبرى بلا اهتمام يُذكر في يوم بثّه، لأن القلوب كانت مشغولة بما هو أبقى وأطهر.
ربح البيع… نعم، ربح البيع حين يكون الرابح هو الإنسان، والصفقة هي استعادة الروح، والمكسب هو أن يعود القرآن ليكون ضيفًا دائمًا في البيوت، لا زائرًا موسميًا. تحية تقدير لكل من صنع هذا الأثر، ولكل من فهم أن العظمة الحقيقية هي أن تبني الناس، لا أن تستهلكهم، وأن تكون نبراسًا في طريق الشباب، لا مجرد ومضة عابرة في ذاكرة فارغ






















































