بقلم دكتورة / أميرة النبراوي
لم تكن ليان امرأة ضعيفة.
لكنها أيضًا لم تكن تلك القوية التي ظنها الجميع.
منذ نعومة أظفارها، تعلّمت أن الحياة لا ترحم من يكشف هشاشته.
فصنعت حول قلبها درعًا سميكًا من الصمت، والمظاهر، واللامبالاة.
كانت تضحك كثيرًا… وتبوح قليلاً.
تُصغي للجميع… ولا تسمح لأحد أن يُصغي لوجعها.
كانت تمشي بثبات، لكنها كلّ ليلة كانت تسند رأسها على وسادتها وكأنها تسقط من قمة جبلٍ إلى قاعٍ لا نهاية له.
لم تكن تبحث عن حبّ، بل عن أمان.
ذلك النوع من البشر الذي لا يخاف من الضعف، بل يراه جزءًا من الجمال.
وكلما ظنت أنها وجدته، خذلها أحدهم بطعنة في موضع الجرح ذاته الذي أخبرته به ذات صدق.
حتى جاء يوسف.
لم يسألها عن ماضيها، لم يطلب الدخول إلى قلبها.
بل اكتفى بأن يكون هناك… حاضرًا، هادئًا، لا يضغط ولا يلحّ.
كان يصغي حتى لصمتها.
وكان يراها، لا كما تظهر، بل كما تخفي.
في حضرته، بدأت تشعر أن درعها يثقلها لا يحميها.
وبدون وعي، بدأت تُنزل قطعة بعد قطعة، خوفًا بعد خوف.
حتى جاء اليوم الذي وقفت فيه أمامه وقالت:
“أنا لستُ قوية كما أبدو… أنا أخاف، أضعف، وأتألم كثيرًا.”
لم يرد بكلمات عظيمة.
بل ابتسم، واقترب منها قليلًا، وقال:
“وأنا هنا… لا لأقسو على ضعفك، بل لأحرسه معك.”
تلك الليلة، بكت ليان لأول مرة في حضرة أحدهم دون أن تخشى شيئًا.
لم تخفِ دموعها، لم تخجل من صوتها المرتجف، ولم تضع حاجزًا بينه وبين حقيقتها.
وفي مساء خريفيّ ناعم، تحت شجرة يتساقط منها الزمن مع الأوراق،
نظر إليها يوسف بعينين تكتبان ما تعجز عنه الكتب،
وأخرج من جيبه خاتمًا صغيرًا، نُقشت عليه كلمة واحدة: “أمان”.
وقال:
“لم أحبّك لأنك قوية، بل لأنك منحتني شرف رؤية ضعفك.
فاسمحي لي أن أكون قلبًا لا يخون، وسندًا لا يسقط.
هل تقبلين أن نبدأ من هنا، حيث لا دروع، ولا أقنعة، ولا خوف؟”
ابتسمت ليان، تلك الابتسامة التي لا تصطنع، بل تولد من عمق الراحة.
ومدّت يدها إليه. لا لتأخذ الخاتم فقط… بل لتأخذ الحياة كما لم تعشها من قبل.
هكذا، خلعَت درعها، لا لتُؤذى… بل لتُحتَضن.
وكان هو النهاية التي لم تتوقّعها،
والبداية التي انتظرتها عمرًا.
“ثمة أمان لا تصنعه الجدران، بل يُزرَع في قلبٍ حين تقول له: أنا ضعيف… ولايفر.