بقلم الكاتبة الصحفية / سهام فودة
في رحلة الحياة، يمرّ بنا كثيرون كما تمرّ نسمة الصباح الخفيفة، تلمسنا لحظة ثم تمضي. يتركون أثرًا لطيفًا أو جرحًا غائرًا، لكنّ القليل فقط هم من يبقون، أولئك الذين لا يأتون ليشهدوا مجدك فحسب، بل ليحرسوا ضعفك، ويجمعوا فتاتك حين تتكسر. هؤلاء هم الذين لا يرون فيك النور حين يبهرك ضوء الشروق فقط، بل يلمسون دفئك حين تنحني الشمس نحو الغروب.
لا أحد يرافقك إلى الغروب، إلا من رآك شروقًا يستحق الانتظار. فكم من عابرٍ صفق لنجاحك حين كنت في القمة، وغاب حين هبطت نحو القاع! وكم من قريبٍ احتفى بضحكتك، لكنه لم يحتمل دمعتك! فالحياة لا تقاس بعدد الأصدقاء في لحظات الرخاء، بل بمن بقي بجوارك حين خفت ضوءك وانكسرت خطواتك.
من يحبك حقًا لا يهاب المسافة بينك وبين الغروب، بل يراها رحلة تستحق العناء. يقف إلى جوارك حتى وإن تغيرت ملامح الطريق، حتى وإن تبدد الحلم أو أرهقتك الخسارات. هو لا يرى فيك مجد اللحظة، بل حكاية العمر، لا يراك بسطوعك فقط، بل بكل ما فيك من ضعف وصدق وإنسانية.
الغروب ليس دائمًا نهاية، أحيانًا هو اختبار صغير لصدق الرفقة، ولمن يستحق البقاء في الصفحة الأخيرة من العمر. هناك من يرحل قبل أن تنطفئ الشمس، وهناك من يبقى حتى آخر خيط من الضوء، يراك جميلاً حتى في عتمتك، لأن قلبه اعتاد أن يراك من الداخل لا من المظهر.
احذر أولئك الذين يقتربون حين تشرق فقط، فهم لا يحبونك، بل يحبون انعكاس الضوء عليك. وامنح مكانك لمن يحتملك حين تخفت، حين تصمت، حين تتعب. هؤلاء هم من يصنعون الفرق، من يحفظونك في حضورك وغيابك، لأنهم لم يختاروك صدفة، بل وجدوا فيك ما يستحق الانتظار.
الحب الحقيقي لا يُقاس بعدد الأيام، بل بصدق المواقف، ولا يُثبت بالوعود، بل بالبقاء عند الغروب. من رآك شروقًا ولم يغادر حين انكسر الضوء، هو وحده الذي يستحق أن يُكمل معك الطريق إلى ليلٍ مطمئن، لأن الوفاء ليس أن تبدأ مع أحد، بل أن تبقى حين يعجز الجميع عن البقاء.