عاجل

أول صور “واضحة” للمتهم بقتل تشارلي كيرك.. من هو؟
انطلاق “أسطول الصمود” من ميناء سيدي بوسعيد نحو غزة
شباب الفراعنة يستعدون لمونديال تشيلي بـ23 لاعبًا
مانشستر يونايتد يفتح تحقيقا بعد اختفاء أحذية كرة القدم الخاصة بلاعباته
مقتل أكثر من 30 مسلحًا من مليشيات الخوارج في مدينة “عيل طير” الصومالية
الخارجية الفلسطينية تطالب بتدخل دولي فاعل لحماية مدينة طولكرم ومواطنيها
مدير إف بي آي: أقارب قاتل «تشارلي كيرك» هم من سلموه
المندوبة الأمريكية: نعارض المساعي الدولية المتعلقة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية
الأمم المتحدة تعتمد مشروع القرار الخاص بحل الدولتين
التموين:عودة إضافة المواليد رسميًا
ترامب: صبرنا على بوتين نفد
الخارجية القطرية: سنتخذ كل التدابير للدفاع عن سيادتنا وأراضينا
والدة مبابي: شغف نجلها وهو طفل برونالدو دفعه للتخيل أنه يحمل الجنسية البرتغالية
من يقود “الجيش الموحد”؟.. لواء مصري يكشف قوام “الناتو العربي”
“الضحية الأصعب لمحمد صلاح”.. ليفربول يواجه بيرنلي في الدوري الإنجليزي.. الموعد والقنوات الناقلة

# بَينيَّةُ النوع الأدبي في نَص “حكايات الغماز”‏

بقلم دكتورة / أماني فؤاد

لبنْية مجموعة “حكايات الغماز” الصادرة عن دار العين 2025، ‏للقاصة (هبة الله أحمد) بنْية مركَّبة، وبينية نوعًا ما؛ حيث يمكن ‏تصنيفها برواية قصصية، أو قصص روائية، فالعمل ليس على ‏شاكلة المتتالية التي نعهدها؛ حيث يضُم مجموعة قصص منفردة، ‏لكل قصة عالَمها الخاص بها، ورواية أيضًا مكتملة التقنيات في ‏الوقت ذاته، سردية روائية تشمل رؤية للعالَم، للحضور والغياب، ‏وللحياة والموت، وحدَثًا رئيسًا، فتتبدى هيمنة الترحال والمغادرة، ‏والتغير الدائم في محطة مصر بالإسكندرية، اللقاء والفراق، الإثبات ‏والنفي، الموت والحياة، المحطة التي يجتمع فيها الناس ثم يتبددون ‏في الأماكن، كما أن هناك أحداثًا شخصية تخص أبطال القصص ‏منفردة، وشخصيات أخرى ثابتة في المحطة، مثل: عمود نور ‏المحطة وفانوسه، والقط جاكوار، سلامة الشاويش الذي جُن، أبو ‏النور مدني، محمد عطوان، سفروت، وكردوسة، وحياة، ثم هناك ‏شخصيات أخرى ثانوية تظهر وتختفي. ‏
وهنا أعاود النظر في طرْح العلاقة بين الشكل السردي، والنوع، ورؤيا ‏العالم، فالقصص يجمعها وحدة الزمن والمكان، حيث استدعت تقنيتَا ‏الزمان والمكان هذا الشكلَ السردي، فالثابت هو المكان، محطة ‏القطارات، والزمن ينحصر في يوم واحد، والمتغير في السرد ‏العابرون، الرائحون والغادون لمَرَّة واحدة أو أكثر من مَرَّة، في محطة ‏مصر الأثرية بالإسكندرية، والتي بُنيت منذ أول نشأة السكك الحديدية ‏في مصر، وفي هذه المحطة تدور عوالم شخصيات (الرواية – ‏القصصية)، المقيمون، والعابرون.‏
ويشكِّل المكان في هذا العمل بنْية دالة محورية، حيث يتجاوز محطة ‏القطارات للحياة ذاتها، رؤية خاصة للوجود البشري، والتركيز على ‏لحظات التوتر المصيرية، والأحداث الفارقة، العابرون المحمَّلون ‏بدرامية الأحداث وتغيُّراتها، حيث الوصول والمغادرة، والعمر القصير ‏فيما بينهما. وتبرُع القاصة في تكثيف الحياة، وتصوُّرها الرمزي ‏بحسبانها مجرد انتقال أو رحلة؛ إذ يتخطَّى الأمر السفر من مكان ‏إلى آخَر عبْر القطارات، إلى أن يصبح رمزًا للولادة والحياة، ثم ‏الموت والفَناء. ‏
المستوى الآخَر الذي أود الإشارة إليه النماذج العابرة والمقيمة في ‏المحطة؛ فجميعهم – في المحصِّلة الأخيرة لرؤية هذا العالم – إما ‏عابرون في مجرد الوقت، أو من المهمَّشين، ولكل واحد منهم قصته ‏الدراماتيكية الخاصة، ولذا ذكرت إن البنْية ليست المتتالية القصصية ‏التي نعرفها.‏
السارد الرئيس للمجموعة القصصية الروائية جزء لا يتجزأ من ‏المحطة، وإن كان يحمل دلالة مميَّزة؛ لكونه مصْدرًا للنور؛ أيْ ‏للأمل، للرؤية وتخطي الظلام أو الفواجع، بجوار قِدمه التاريخي ‏وأزليته الرمزية، كما أنه يجسد متكأ للاستناد عليه، كأنه في ذاته ‏محطة مرحلية للمرهَقين والمتعَبين في هذه الحياة.‏
لكن أود الإشارة إلى أن سارد القصص الرئيس والقديم التراثي، الرائي ‏للأحداث والشخصيات، للأسف غير فاعل، ولا يستطيع التغيير أو ‏التأثير، هو غماز فقط، وهو ما يشي بقَدَرية الوجود، وبنوع من ‏الشعور بالعجز الذي يضبب حياة هؤلاء المهمَّشين في الحياة، حياة ‏البشر أجمعين.‏
ففي قصة “توهة” يقول عامود النور: “أوعر ما أعانيه وأجلّه هو ‏المشاهدة .. استنفار عجْز الصمت ومهابته – على حد سواء – ‏لديَّ، رق حالي لحال فاطمة إلا أنني لم أستطع فعل شيء.” ‏‏(ص35)، ينطق الجماد في قصة “توهة” حين تترك (حنان) أمها ‏المصابة بآلزهايمر في المحطة، جاءت مستندة إلى العامود، الذي ‏يحكي الأحداث والمَشاهد، التي تتغير أمامه، تقول: “سامحيني يا امَّه ‏‏.. إنتي عارفة الظروف، الدنيا بقيت ضيقة، وجوزي بيشتغل يوم ‏ويقعد عشرة، والعيال كبرت وضاقت بهم الأوضتين” (ص32) ‏وتنتهي القصة بعدم استطاعة حنان تَرْك أمها، تعود لتأخذها، لكنها ‏الأقدار العبثية، فتكون الأم قد غادرت تبحث عن ابنتها، لتبدأ التوهة ‏المؤلمة والقاسية، التي يتسبب فيها دائمًا مثلَّث الجهل والفقر ‏والمرض. ‏


ويتوزع السرد بعد العامود على ألسنة شخصيات القَص، وتصرِّح ‏القاصة بهذا أحيانًا، كما في قصة “حياة”، وتتجاوَزه في أحيان أخرى، ‏ليتقاسم السردَ راوٍ عليمٌ أو الشخصيات، وهكذا باقي الإحدى وعشرين ‏قصة، التي تشكل النَّص مكتملًا. في زمن الأربع وعشرين ساعة، ‏التي بدأت من الفجر إلى منتصف الليل.‏
‏ يتبدَّى زمن هذه المجموعة كأنه وعاء حاضن لكل تلك النماذج، ‏حيِّز يتمدد بالرغم من محدوديته؛ ليحتوي كل هذا التنوع البشري، بكل ‏هذه الدراما التي تجتاح حياة البشر، وتشكِّل حيواتِهم وأقدارَهم، التي ‏لا يختارونها، واختلافات همومهم وقصص الغدر، والظلم، والخوف، ‏والخيانة والتخلي التي يعيشونها، اليوم الواحد – مجسِّدًا لتقنية الزمن ‏‏- يجمع كل هذا الشتات بكل تبايناته، بفائض خيره وشَرِّه.‏
في بعض مواضع القص لا تترك الكاتبة للقارئ مساحة ليشاركها، ‏ويبدع معها حالة القص والشخوص؛ فلقد أخذت على عاتقها أن ‏تقول كل شيء، فعلى لسان سعدية تقول: “ما باسِبش بنتي قسوة، أو ‏طلبًا لِمَا تحِن إليه النسوان؛ تركتها بحثًا عن الرزق، خرجت اتاجر ‏من فيض نعمك عليّ، وعلى داري يارب، ألِم بيض الدجاج ..وهكذا” ‏‏(ص19)، وأحسب أن طي القص وجعله إشارات؛ يستنطق فيها ‏المتلقي ما بين الأسطر، ويخط بمخيلته على المساحات البيضاء، ‏يهَب فرصة لخيال القارئ أن ينطلق ويشارك كاتبه. كما تجعل ‏القَص مشدودًا، يخاتله الشغف والرغبة في الكشف.‏
ــ المفارقات والحِس الكوميدي في المجموعة
يتداخَل – بالقَص الدرامي في هذه المجموعة – نوعٌ من الكوميديا ‏الخفيفة، خِفة الظِّل التي تنبُع من المواقف، فتجعل القارئ يبتسم ‏بالرغم من مأساوية الحكايات في الواقع، تلك المفارقات تنقُل روح ‏الكاتبة، كما تنقُل طابع المجتمع السكندري، وخِفة ظِله؛ ففي قصة ‏ابن المحطة، أغوى السيد عفريته سفروت بالنشل، وصار سفروت ‏يبرِّر له، في حين تحلم كردوسة بأن يكمل سفروت تعليمه، ويصير ‏ضابطًا، هذه المفارقات التي تصنع مواقف خفيفة الظِّل.‏
كما تتبدى المفارقة أيضًا في قصة “جلابية زرقاء”، محمد زرزور ‏الذي كان في زيارة لابنه؛ طبيب المسالك البولية، وكيف يصِف ‏السارد أناقة الجلابية التي يرتديها منذ بداية السرد، ثم نكتشف في ‏النهاية، وهو في طريقه للقطار: “.. سوى جلبابه الأزرق وسار بمهل ‏وحذَر، وهو يحمل الكيس الأسود، الذي يخرج منه خرطوم أصفر ‏رفيع، يصل للقسطرة البولية تحت الجلابية الزرقاء الأنيقة.” ‏‏(ص98) هذا الرجُل الذي يعشق أولاده، ويعاني من سكَنهم في ‏الإسكندرية، والجيزة، ينتظر الوحي طيلة عمره، ويتصور أن لديه ‏ثلاث عشرة معجزة، وتأتي اللغة الخاصة بقصته كلها مشوبة بأجواء ‏الخطاب الديني. يقول ليصِف حاله: “بعد الأربعين فِضِلْت مستنِّي ‏الوحي. لمدة عام كامل، أطلع الجبل كل طلعة بدر، اقعد على ‏صخرة كبيرة ملتفًّا ببُردة صوف خشنة، .. أنا أهو محمد زرزور ‏يارب، أنا النبي إللي مستني الرسالة والأتباع والمعجزة.” (ص97) ‏
وتتفاوت مستويات اللغة في الرواية القصصية، لاختلاف ‏الشخصيات بالمجموعة القصصية، واختلاف مشاربهم وبيئاتهم ‏وطبائعهم الشخصية، لكن يتبدَّى مستوى خيالي يلعب فيه المجاز ‏المنطلِق؛ لكون السارد الرئيس عامود النور الأزلي، يقول: “قبل ‏ارتفاع العمارة كانت السُّحب تتعلق بأرجوحة سماوية، تروح وتجيء ‏كالموج، ومدد البشر الذي لا ينقطع على الأرصفة ومقاعد الانتظار، ‏تتشكل كمحاربين وأحصنة أسطورية..” (ص109)‏
ونستكمل في المقال القادم.‏

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net