عاجل

فيلم “صوت هند رجب” يفوز بـ “الأسد الفضي” في مهرجان البندقية السينمائي
تصعيد جديد مع مصر.. إثيوبيا تطمح لاستعادة “السيطرة” على البحر الأحمر
مصر تتحدى إسرائيل: مخطط التهجير لن يحدث شاء من شاء وأبى من أبى
مظاهرة حاشدة في باريس تطالب باستقالة ماكرون ورئيس وزرائه
“أطفالكم في خطر”.. الأزهر يطلق تحذيرا عاجلا
“الأونروا” تحذر وتدعو “لإغراق” قطاع غزة بالمساعدات فورا
مصر تؤكد أن “مسألة التهجير خط أحمر” وسط دعوات إسرائيلية لإخلاء مدينة غزة
بكلمة واحدة.. نجيب ساويرس يرد على سؤال بشأن رضاه عن منتخب مصر
# سلامٌ الاستغناء
ترامب : بعض الرهائن ربما ماتوا مؤخرًا في غزة والمفاوضات جارية الآن
مادورو: فنزويلا مستعدة للكفاح المسلح إذا تعرضت لهجوم أمريكي
الجامعة العربية: لا تعايش في المنطقة مع احتلال إسرائيل لأراض عربية وسعيها لضم أخرى
مانشستر سيتي يتغزل بعمر مرموش بعد هدفه في مرمى إثيوبيا
هل يشعل نزع سلاح حزب الله فتيل صراع جديد في لبنان؟
الأحد 7 سبتمبر.. حفل توقيع ومناقشة كتاب “قبل المأذون” للدكتورة آمال إبراهيم بمكتبة القاهرة بالزمالك

ذكرى المولد النبوي في زمن الإبادة

كتب د / حسن اللبان

من المفارقات المؤلمة أن يحتفي ملايين المسلمين بذكرى مولد النبي العربي محمد، في لحظة تاريخية يتواصل فيها مشهد الإبادة، تكريمًا لسيرته ونهجه، فيما الواقع العام للمسلمين والعرب يكشف تناقضًا صارخًا مع روح الرسالة المحمدية العظيمة: الإنسانية، والأخلاقية، والسياسية.

فالإنسان العربي والمسلم المعاصر يقف مشدوهًا، حائرًا، وربما غارقًا في شكوكه بتاريخ أمته وحاضرها، أمام عطب جماعي فادح؛ أمة بأكملها تبدو مشلولة، جزء منها يكبت غضبه ويتآكل من الداخل، وآخر مستسلم للتلهي والترف، وقلة قليلة تتصدى وتبذل الغالي والنفيس لمواجهة هذه العبثية المتكررة.

هذه ليست المرة الأولى التي يهوي فيها العرب والمسلمون في هاوية الإخفاق والفشل. فقد سجّل التاريخ الإسلامي صفحات مظلمة من اقتتال داخلي، وقمع للعلماء، وتحالف مع الأعداء في حروب عدوانية، وجمود وتكلس عطّل مسارات النهضة. لكن ما نشهده اليوم يفوق كل ما سبق؛ رثاثة وانحلال ونذالة غير مسبوقة، فيما ماكينة الإبادة الصهيونية الغربية تعمل بلا توقف، وتبث جرائمها على الهواء مباشرة، وسط صمت رسمي عربي، بل وتواطؤ معلن من أنظمة وأجهزة إعلامية ورجال دين ومثقفين وفنانين يسهّلون الانحراف والخيانة.

وقد تنبأ مفكرون عرب كبار، مثل عبد الوهاب المسيري، منذ أربعة عقود، بظاهرة “تصهين” بعض الحكام العرب ومن يدور في فلكهم من أبواق إعلامية ودينية وثقافية. وهذه الفئة تتحمّل الوزر الأكبر في إجهاض محاولات الإصلاح والنهضة، وإتاحة المجال أمام التحالف الصهيوني – الغربي لمواصلة تغوّله على فلسطين والمنطقة برمتها.

الدين بين الفولكلور والتحرر

يروق للكثيرين اليوم استحضار السيرة النبوية بروح فولكلورية خاوية، اجترارًا للماضي وهروبًا من بؤس الحاضر. فقد اختُزل الدين في طقوس وشعائر، وصدقات فردية منزوعة الرسالة التحررية والاجتماعية، بدل أن يكون أداة للبناء والوحدة ومقاومة الظلم الداخلي والخارجي ونصرة الإنسان.

في المقابل، هناك من يوظّف السيرة النبوية لنقد الواقع وإحياء قيم الرسالة بروح عقلانية وأخلاقية، ساعيًا إلى تأسيس وعي يفتح الطريق أمام نهضة شاملة: علمية، سياسية، ودستورية. وبين هؤلاء وأولئك يقف تيار هامشي يرى في الإسلام عقبة أمام الحداثة، متأثرًا بالنظرة الاستشراقية الغربية. غير أن تجارب إسلامية ناجحة، مثل ماليزيا وتركيا (في بعض مراحلها) تنقض هذا الزعم، إذ برهنت أن الإسلام لا يعادي الديمقراطية ولا يقف حجر عثرة أمام التنمية، بل إن المعضلة الحقيقية تكمن في النخب الاستبدادية التي عطّلت طاقات الأمة وكبّلت إرادة شعوبها.

الجذور وعناصر القوة

العودة إلى التجربة الإسلامية الأولى تذكّرنا بأن النبي محمد وحّد القبائل العربية وبنى دولة المدينة المنوّرة على أسس مدنية ودستورية، تجسدت في “صحيفة المدينة” التي أرست مبدأ التعايش داخل مجتمع المدينة المنوّرة، ولاحقًا الجزيرة العربية وخارجها، بين المسلمين وغيرهم. لقد مثّلت هذه الوثيقة مدماكًا حضاريًا لقيام الدولة العربية الإسلامية، وركنًا أساسيًا في قوتها.

ومع انتشار الإسلام تحوّلت هذه الدولة إلى قوة عالمية غيّرت موازين القوى بعد أن هزمت الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية، اللتين كانتا غارقتين في حروب دموية طاحنة. امتدت رقعة الحضارة الإسلامية من الصين إلى الأندلس، واحتضنت شعوبًا وديانات متعددة، وأسهمت حواضرها الكبرى مثل بغداد، دمشق، القاهرة، وقرطبة، في نهضة علمية وفكرية ما زال مؤرخون غربيون يعترفون بأن أوروبا مدينة لها في انطلاقتها النهضوية.

غير أن مسار الانحدار بدأ مبكرًا، حين تفككت الدولة الإسلامية إلى إمارات متناحرة، ثم قامت الدولة العثمانية لتستعيد بعض الوحدة وتصدّ الغزوات الغربية، لكنها انتهت بدورها إلى خراب سياسي ونهضوي فادح أعاد إخضاع المنطقة للهيمنة الأجنبية.

منذ أواخر القرن الثامن عشر، انطلقت مشاريع إصلاحية في العالم الإسلامي للحاق بالنهضة الأوروبية، وقد تحققت إنجازات جزئية في معارك التحرر من الاستعمار. لكن النخب التي تسلّمت الحكم بعد الاستقلال كرّست الاستبداد، فعطّلت إمكانات النهضة الحقيقية. وجاءت ثورات 2011 لتكشف عمق الاحتقان الشعبي، غير أن الثورة المضادة المدعومة خارجيًا أجهضتها مبكرًا.

غزة… جرس إنذار إنساني

اليوم تقف غزة، رغم جراحها، في مواجهة هذا الخراب، متجاوزة العبثية والسزيفية، لتطلق صرخة ضمير ونداء عدالة يصل إلى شعوب العالم. لقد عرّت إسرائيل ككيان استعماري متوحّش منزوع الصلة بالقيم الإنسانية، وفتحت بابًا جديدًا أمام إعادة تعريف العلاقة بين شعوب المنطقة ومشروعها التحرري.

هكذا تصبح ذكرى المولد النبوي فرصة لمساءلة الذات الجماعية: هل يظل الدين فولكلورًا وعزاء نفسيًا؟ أم يتحول إلى مشروع إنساني – تحرري يعيد للأمة توازنها ودورها التاريخي؟

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net