كتب د / حسن اللبان
في أعقاب «الهجوم الإرهابي» الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي قتلت فيه نحو 1200 شخص واحتجزت 251 آخرين رهائن، بدأت إسرائيل حملة عسكرية «للنصر المُطلق» ضد «الحركة الإرهابية» التي كانت قد دعمتها في السابق من خلال تسهيل التمويل القطري لها من أجل إضعاف السلطة الفلسطينية وبالتالي تخفيف الضغط على إسرائيل للسماح بإنشاء دولة فلسطينية حقيقية. وقد أدت هذه الحملة منذ ذلك الحين إلى مقتل ما يزيد على 50 ألف شخص من سكان قطاع غزّة، أغلبهم من النساء والأطفال.
رأت إسرائيل خلال هجماتها أن من المناسب قطع إمدادات المياه والكهرباء والغذاء عن سكان قطاع غزّة، ودمرت الكثير من البنية التحتية المادية، وتركت سكانها يعانون مما وصفه الصليب الأحمر البريطاني بأنه «أزمة إنسانية يائسة». وكأن ذلك لم يكن كافيا، فبالإضافة إلى الحرب على القطاع، شنّ الجيش الإسرائيلي مؤخرًا هجمات متعددة في الضفة الغربية ولبنان وسوريا واليمن وإيران، مع إمكانية قوية لشن هجوم أكبر بكثير على المنشآت النووية الإيرانية في وقت لاحق من هذا العام.
في الوقت نفسه، تحاول حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، التي تعاني من عدم الشعبية والفضائح، والتي تضم شخصًا عنصريًا بوضوح وكارهًا للمثليين ومؤيدًا منذ فترة طويلة للإرهاب اليهودي المعادي للعرب، تدمير الديمقراطية في البلاد من الداخل، حيث تعطي الأولوية للهجمات العسكرية على حياة الرهائن المتبقين في القطاع.
وقد أدّت الحرب إلى تفاقم الصراع الناشئ بين الدولة التي تتحول إليها إسرائيل وقيم أغلبية اليهود الأميركيين. ولكي نعبّر عن الأمر بمصطلحات مألوفة، فقد أصبحت إسرائيل ذات صبغة سياسية حمراء زاهية [يمين محافظ]، في حين يظل اليهود الأميركيون، وهم الوحيدون بين العرقيات التي يتم تصنيفها على أنها «بيضاء»، فخورين بتمسكهم بالصبغة الزرقاء العميقة [ليبراليون وديمقراطيون]. أفاد ثلثا الإسرائيليين الذين شملهم الاستطلاع بأنهم يفضلون دونالد ترامب على كامالا هاريس، بينما كان العكس تمامًا بين اليهود الأميركيين. (قالت لي داليا شيندلين، خبيرة استطلاعات الرأي والمحللة السياسية المقيمة في تل أبيب: «لا ينال ترامب هنا سوى الثناء»).
ورغم هذا، اختار زعماء المنظمات اليهودية الأميركية الكبيرة «التقليدية»، دون استثناء، الوقوف إلى جانب نتنياهو، والدفاع عن إسرائيل ضد كل المنتقدين، وتشويه سمعة أي شخص —وخاصة اليهود الآخرين— يعتقدون أنه يهددها باعتباره «معاديًا للسامية». ولكنهم في هذا يواجهون مشكلة ليس فقط معارضة آراء الغالبية العظمى من اليهود الأميركيين، بل وأيضًا الانضمام إلى رئيس أميركي وحركة سياسية تسعى إلى تدمير الركائز الديمقراطية والمؤسسات التعليمية التي ساعدت في جعل اليهود آمنين وناجحين في الولايات المتحدة، وهي حركة مليئة بالنازيين الجدد وكارهي اليهود من كل الأنواع.
والنتيجة النهائية هي أننا في المراحل الأولى من حرب أهلية يهودية لا مثيل لها منذ المعارك المبكرة حول الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. في جوهر الأمر، عرض ترامب والقوى التي تقف خلفه، أي المنظمات التقليدية، ووسائل الإعلام اليهودية اليمينية الجديدة الممولة جيدًا، والعالم الإنجيلي المسيحي الذي يدعم إسرائيل وبنيامين نتنياهو بشكل أعمى، على اليهود الأميركيين صفقة مع الشيطان: الانضمام إلينا ضد الجامعات المعادية للسامية ومثيري الشغب في الحرم الجامعي، وفي الوقت نفسه لا يجب أن تكترثوا بينما نقوم بتفكيك التقاليد والمؤسسات التي يقدرها اليهود والتي وفرت الأساس لكل ما تمكنوا من إنجازه كأميركيين. من يوافق على هذه الصفقة