بقلم / خالد ابراهيم
التنوير ليس كلمات منمقة ولا رفاهية فكرية، بل هو معركة يومية من أجل تحرير العقل الإنسانى من الخوف والجهل والتبعية. هو مشروع يضع العلم فوق الخرافة، والحرية فوق القهر، والعقل فوق الأصنام التى تُصنع لتكبيل الناس.
والمثقف التنويرى هنا ليس متفرجًا، بل مقاتل فى ساحة الفكر. مهمته أن يهدم جدران الصمت، وأن يكسر الأصنام الفكرية، وأن يفضح الخرافات التى تُسوّق للناس على أنها “حقائق مقدسة”. إنه يضع المجتمع أمام الحقيقة مهما كانت مُرة، لأنه يدرك أن أمة بلا عقل ناقد، أمة بلا مستقبل.
لكن هذا الدور يجعل المثقف التنويرى فى صدام دائم مع “طيور الظلام”. هؤلاء لا يعيشون إلا فى بيئة الخوف والجهل، ولا يزدهر نفوذهم إلا حين تُطفأ أنوار العقل. هم أعداء الحرية، خصوم الفكر، كارهون للعلم. لذلك لا يملّون من شنّ الحملات ضد كل صوت مضيء: مرة يتهمونه بالكفر، وأخرى بالخيانة، وثالثة بالعمالة. يختبئون خلف الدين حينًا، وخلف التقاليد حينًا آخر، والهدف واحد: إبقاء المجتمع أسيرًا لماضٍ بائس يخدم مصالحهم.
التاريخ يخبرنا أن “طيور الظلام” تصرخ عاليًا فى البداية، لكنها تختفى مع أول شعاع نور. فكل فكرة تنويرية كانت يومًا تُحارب وتُشوه، لكنها أصبحت مع الزمن واقعًا طبيعيًا. من رفضوا الطباعة فى البداية هم أنفسهم من حاولوا لاحقًا احتكارها. من هاجموا حقوق المرأة صاروا يتظاهرون بحمايتها. هكذا يتساقطون واحدًا تلو الآخر، بينما يبقى التنوير كالشمس: قد يحجبه غيم، لكنه لا يغيب.
المعركة إذن ليست مجرد خلاف فكرى، بل هى صراع وجودى: هل نريد مجتمعًا حيًا قادرًا على التقدم، أم مجتمعًا أسيرًا لطيور ظلام تنهش عقله وتغذيه بالخوف والتعصب؟ المثقف التنويرى قد يُتهم، يُحاصر، أو يُقصى، لكنه فى النهاية هو من يكتب التاريخ، أما خصومه فلا يذكرهم أحد إلا كأمثلة على الجهل