بقلم / راندا بدر
الدخل النقدي : –
الوهم و الواقع
لا يغرنك أيها القارئ بريق النقود اللامع فهي سراب يتبدد حين تمسكه باليد ، فما قيمة أن تزداد الأرقام في جيبك إذا ما نقصت قيمتها في السوق ؟؟؟
و ما جدوى أن ترتفع الأجور اسما إذا ما هبطت قيمتها فعلا ؟؟؟
التاريخ يعلمنا أن الأمم لا تنهض بالورق بل بالعمل و الإنتاج ، ففي العصور الغابرة حين سك الفراعنة الذهب لم يكونوا يخدعون شعوبهم بزيادة النقود بل كانوا يبنون العدالة على أساس المحراث و الغلة ، أما اليوم فنحن نعيش في زمن يقدس الرقم و يهمل القيمة زمن تقاس فيه الغنى بالفواتير لا بالقمح و بالرواتب لا بالخدمات
ثلاثية الدخل الحقيقي :-
إن الدخل الحقيقي لا يقاس بالنقود التي تدخل الجيب بل بثلاثة أركان
👇👇👇
1 . ما يبقى بعد الضريبة : فما فائدة زيادة الراتب إذا ما التهمته الخزينة ؟؟؟
2 . ما يعود من المنافع العامة :
فلو زادت المدارس والمستشفيات لصار الفقير غنيا حتى ولو لم يزد راتبه ،
3 . قوة النقد الشرائية : –
فلو تضاعفت الأجور وتضاعفت الأسعار فكأنما لم يزد شيء !!!
وهنا نقع على المغالطة الكبرى : – فالحكومات تتباهى بزيادة الدخول النقدية بينما تفرض ضرائب خفية عبر التضخم أو تقطع الخدمات العامة تحت دعوى التقشف ،
فهل يعقل أن نخدع بزيادة الأرقام بينما نصيب الفرد من التعليم والصحة يتراجع ؟؟؟
لقد عرف القدماء أن العدالة ليست في جمع الضرائب بل في توزيع الثروة ،
فالمعابد الفرعونية لم تكن تبنى من جيوب الفقراء بل من فائض القوة الاقتصادية للأمة ، أما اليوم فإننا نرى
” إعادة التوزيع ” تختزل في نقل الأموال من جيب إلى جيب دون أن تمس جوهر المشكلة
، كيف نزيد الكعكة قبل أن نتقاتل على قطعها ؟؟؟
إن الدولة العادلة ليست تلك التي تأخذ من الغني لتعطي الفقير بل تلك التي تجعل الغني ينتج والفقير يشارك في الإنتاج ، فلو أنفقنا على التعليم الفني لتحول العامل من مستحق للإعانة إلى منتج للثروة ، و لو استثمرنا في الزراعة لصار الفلاح سيد أرضه لا عبد السوق ،
الخدعة الكبرى
إن أخطر ما في العصر الحديث هو تحويل النقود إلى غاية بدلا من أن تكون وسيلة ، فالشعب المصري كما يقول الكاتب أذكى من أن يخدع بزيادة راتبه بينما يرتفع سعر الدواء والخبز ، لكن المشكلة ليست في ذكاء الشعب بل في استمرار الوهم ،
لقد حذر طه حسين من ظلمة الجهل وأنا أحذر من ظلمة الاقتصاد الوهمي ، فما قيمة الثقافة إذا جاع المفكر ؟ وما قيمة الديمقراطية إذا خدع المواطن بورقة نقدية ؟
لا عدالة بلا إنتاج ولا رفاهة بلا حكمة ، فبدلا من مناقشة
” الحياد المالي ” فلنناقش كيف نزيد المحاصيل ، و ننمى الصناعات و بدلا من التباهي بميزانيات ضخمة فلنفتخر بمدارس تخرج علماء ومصانع تنتج لا تستهلك ،
فليكن شعارنا :-
” لا تكرروا كذبة الدخل النقدي فالشعب يعرف أن الخبز لا يؤكل بالورق ” !!!
#راندا_بدر#