كتب / رضا اللبان
لعب الفن في مصر القديمة دوراً محورياً تجاوز حدود الجمال والزخرفة، ليصبح “لغة” رمزيّة فعّالة تعبّر عن السلطة والإيمان والهوية الجمعية؛ فلم يكن النحت والرسم والنقش الفني مجرد أعمال تستوحي موضوعها من الخيال، بل وسيلة تواصل تنقل من خلالها الدولة أفكارها، وتُكرِّس مفاهيمها، وتُرسّخ شرعيتها السياسية والدينية أمام الشعب والإله على حدّ سواء.
استخدم الملوك الفن كأداة سياسية، وظهروا من خلاله بصورة مثالية، وقدَّموا أنفسهم كأبناء للإله أو كممثلين للعدل والنظام على الأرض، وبنفس المنطق والقوة وظّفه الكهنة ورجال الدين لتسجيل تفاصيل الطقوس الإيمانية، وتمجيد الإله، وتأكيد الروابط الروحية بين الناس والمقدّس، وترسيخ سلطتهم الدينية، وهكذا أصبح الفن مرآة حقيقية و”لغة تواصل” داخل المجتمع المصري القديم، يُترجم قِيَمَه ويُدوِّن رؤيته للعالم الأرضي والسماوي، وعالم ما بعد الموت، بوسيلة تعبيرية شاملة.
وغطى الفن المصري القديم مرحلة امتدت لما يزيد على أربعة آلاف عام، ونستعرض هنا سر هذه الاستمرارية الأساسية في وسائل التعبير، ونسعى للإجابة عن تساؤلات من بينها: ما هي فلسفة ودوافع هذا التنوع الفني الهائل لدى المصري القديم بأساليب مختلفة؟ ولماذا بُنيت تلك الصروح الأثرية بأحجام شامخة؟ ولماذا حرص الملوك على نحت تماثيل عملاقة لهم ووضعها في واجهة المعابد الدينية؟ وما سر اجتهاد الفنان في رسم ونقل حركات وايماءات من الحياة اليومية ومشاهدها على جدران المعابد والمقابر؟
“الفن في خدمة الفكرة”


صدر الصورة،Getty Images
تخلق الصورة دائماً واقعاً لما تمثله في تاريخ مصر القديم، ولذا، كان وجودها هو المهم وليس فقط أن تكون موضوعاً للبحث والتأمل؛ فبعد أن أدرك المصريون صعوبة الإحاطة بالواقع من جميع جوانبه بسبب محدودية حاسة الإبصار، أقدموا على تشييد “بناء ذهني” حقيقي للصورة، جامعين في تآلف فني متناسق، عدداً كبيراً من الرؤى الفكرية داخل المشهد الواحد.