بقلم الكاتبة الصحفية / سهام فودة
لا تكن جلادًا لنفسك كلما تعثّرت، ولا تفتح على قلبك محكمةً تَدين فيها كل نبضٍ بالخذلان، فليس كل ما يؤلمنا خطأ، ولا كل ما ينهينا عن الطريق سوء اختيار. أحيانًا يُسدل القدر ستار تجربةٍ ما فقط ليبدأ مشهد النضج الحقيقي، حيث لا يكون الوجع عدوًا، بل معلمًا نبيلاً جاء في هيئة خسارة. نحن لا نولد على وعيٍ بما يكفينا، بل نُربّى على يد الدروس، تُشكّلنا الانكسارات بصمت، وتُهذّبنا المواقف التي لم نُردها يومًا، لكننا نخرج منها أقرب إلى أنفسنا، وأصدق في رؤيتنا لمن حولنا.
لا تظنّ أنّك وحدك في التيهِ، فالكل ذاق شيئًا من مرارة الانطفاء، الكل تردّد ذات مساء في لوم ذاته، وبات يسائل نفسه: “هل كنتُ أنا الخطأ؟”، لكن الحقيقة أوسع من ظنّك، فربما كانت تلك العثرة ضرورة، لتُعيد ترتيب داخلك، لتُهيّئك لفرصةٍ أكثر نقاءً، لِحُلمٍ لم تكن بعدُ أهلًا له، أو لشخصٍ سيحتاجك يومًا قويًا ثابتًا، قد مرّ بكل ما مررتَ به، وخرج منه أكثر اتزانًا وامتلاءً بالحكمة.
لا تُقِم عزاءً لأيامٍ لم تسرِ كما أردت، ولا تندب قلبك على خُطى ظننتها عبثًا، فربك أرحم بك من أن يتركك في دربٍ لا يحمل لك منفعة، وإن جهلتَ الحكمة الآن، فإنها تأتيك يومًا، هادئة، فاتحة عينيك على ما كان مغلقًا، تقول لك همسًا: “هكذا كنتَ تحتاج أن تتشكّل”. فمن ذا الذي يَعي حلاوة الوصول، إن لم يتذوّق مرارة التيه؟ ومن ذا الذي يعرف جمال الأمان، إن لم يختبر الخوف؟ فينا شيء لا ينضج إلا بالكسر، وفي كل انحناءةٍ حكمة، وفي كل تأخيرٍ لطفٌ لم نكن نُبصره في حينه.
فاهدأ، وامنح قلبك بعض الرحمة، قل لنفسك بلين: “لقد فعلتُ ما بوسعي، والباقي عند الله”، خذ نَفَسًا، وأغمض عينيك عن كل محكمةٍ داخلك، وارفع شكواك إلى مَن لا يُخطئ في التدبير، آمن بأن القادم أجمل، ليس وعدًا أجوف، بل يقينًا يُزهر في القلوب الصابرة. فإن ضاقت بك السُبل يومًا، فاعلم أن الله يُمهّد لك دربًا آخر، فيه من السَعة ما يُنسِيك مرّ ما فات، وما يجعل قلبك يقول بيقين: “الحمد لله أنني لم أنل ما أردت، لأحصل على ما كنت أستحق”.