بقلم / أحمد سعدون البزوني
تكمن القداسة في الروح قبل الجسد، لذا نرى أرواحنا في مُعظم أعمالنا، روح السمو والتسامح والارتقاء التي تسكن فينا لا التي نسكن فيها، فمن هذا المُنطلق تبثُ أرواحنا بريق الأمل في جوهرها لا مظهرها، حتى في مروياتنا اليومية والأدبية.. ليلى.. ابنة العَقدين و نيف، إصرارها المزعوم على تدشين فكرة الإصلاح المنشودة، و كأنها أي باحث اجتماعي يريد من الإنسان الخلاص من عُقدهِ المريضة و روحه السيكوباثية التي أغوتها حب التملك والسُلطة التي عاش بها (ممدوح) بطل الرواية، والكثيرون من شاكلته في يومنا هذا، فقد تُصنف الروية في حد ذاتها (رواية تنموية)، فهي لا تخلو من مطامع الإصلاح و التبني. لُعبة جميلة من الكاتبة المصرية الصاعدة (أماني عطاالله) .. والتي سردت لنا طيلة الـ (400) صفحة من روايتها المنشودة (وحدك حبيبتي) والتي دوزنة في رويتها أوتار الحب المجهول بين نقيضين، وهاذين النقيضين لا يوجد بينهما أي عوامل مشتركة كي يتسنى لهما الانصهار في عالم الجذب الروحي المنشود. تحملت ليلى على عاتقها روح التبني لفكرة غريبة في مجتمع لا يفقه (الجندرة) مليء بـ بالذكورية العتيقة ولهم السطوة في مجتمع قبلي وراثي ديني، فجميع تلك العوامل أولت السلطة الذكورية المجتمعية حتى على النص الأدبي أو السرد الروائي بالأحرى. بينما كانت ليلى مُنهكة برسالة الدكتوراه وفكرة إصلاح البشرية من خلال الحب أو العصيان أو التمرد، و هذا ما لاحظناه في سرد روايتها، فكان (ممدوح) مشغول أيضًا برواية نسوية أخرى (لماذا يحب الرجال العاهرات) للمؤلفة الأمريكية – شيري أرجوف. كما نلاحظ طيلة الرواية أن للسلطة دورها الفاعل في الواقع قبل الرواية، مثل: ( ممدوح - الحاج سالم - ابو ليلى – فؤاد)، كل هؤلاء الذكور أتخذوا مقام الربوبية و الوصاية المكذوبة على عباد الرب، و كأنهم القوي المكين.. أما بالنسبة للصوفية التي تمتعت بها الرواية، فقد جاءت من روح الجمال والتغزل الذي دار حول إشراقة روح ليلى قبل شمسها الساطعة، فمثل: (كانت ليلى تقف في شرفة حجرتها ترتدي ثوبًا أبيض فضفاضًا وقد رفعت عنقها العاجي إلى السماء تتأمل غروب الشمس وكأنها تتعبد فيها، انعكس شعاع الشمس الراحل على وجهها وكأنه يُقبلها قُبلة الوداع قبل أن يعكسه وجهها المضيء من جديد فيعود للشمس سعيدًا مرْضيًا، شعرها المُنسدل الذي حمله النسيم وراح يداعبه بعنف، بدا كشلال من ليل طويل أرسله ليمهد قدومه) أو (لستُ أدري أيهما أجمل، شمس الغروب أم هذه الشمس التي أشرقت في شرفتك يا ممدوح ؟!) ص 174، (من لي بلوح وفرشاة، فأنا لن أرحل من هنا قبل أن أُسجل هذه المناجاة الصامتة بين القمر والشمس) ص 288، فهنا تمكن صوفية النص بأرقى تجلياته، و أظن الكاتبة أشغلت هذه الرواية على طريقة الصوفية المسيحية من حيث المثلث المعروف لدى صوفيتهم أن يجمع العبد بين (المحبة والرغبة والرهبة)، وهذا من مورثهم الروحاني المُقدس.. طقوسها وترانيمها عاشتها وحدها مع حزنها وكبتها وخيبتها ومستقبلها. فكلهم كانوا ضحية الأمل والتصدي لروح تسموها الترقي في ظل الانحلال البشري الموعود.عاشت التناقضات بأبهى خيباتها، مثلًا: (أرادت أن توقعه في شباكها، وقعت هي أيضًا أسيرة مقيدة الروح قبل الأيدي بأصفاد ذلك الحب)، أو( أرادت من تجربتها الدكتوراه، نالت الخزي و العار من مكيدة نجوى البطل الثانوي للرواية)، ففي صفحة 341 (جففت دموعها التي سقطت رغمًا عنها في ذروة انفعالها، أسرعت ليلى تُهدئ من روعها بعد أن شعرت كعادتها بالشفقة عليها. ثم اتجهت إلى المطبخ لتحضر لها كوبًا من الليمون عله يخفف من حِدة توترها فلم تشعر حينئذ بباب الشقة حين فتحته نجوى، ولا بذلك الغريب الذي تسلل كالثعبان إلى غرفة نومها في غفلة منها). وأخيرًا…
تعتبر رواية (وحدك حبيبتي) للكاتبة المصرية أماني عطاالله، رواية حداثوية، تتحدث باللغة والمواضيع العصرية، خالية من الإسهاب، جميع حواراتها متناسقة على متن واحد، (دايت) سريعة الهضم، خالية من الزوائد و الدهون، رشيقة بحد ذاتها الأدبي والفكري والاجتماعي .. رغم أنها (سحلتني) معها في سرديتها لأربع أيام بلياليها، لكن (سامحها الرب)، فقد استفدت منها ومن تلك التجربة الأدبية التي تُعبر عن روح التجديد، بعيدًا عن السردية المملة وروح الحكاء والكلاسيكية ورواية النمطية التي تمثل روحية إحسان عبد القدوس أو ثيمة الشهرة والصعود.. لا يسعني إلا أن أقدم احترامي للكاتبة وأتمنى لها المزيد من النجاح والازدهار.
أحمد سعدون البزوني