كتب / رضا اللبان
يقول أحد الأخوة : زارني مرةً في بيتي شيخ كبير جداً في السِنّ
عمره حوالي مائة سنة وسنة ( 101 ) سنة
فاغتنمت فرصة لقائي به وسألته : يا عم، ما أعجبُ ما مرَّ بك في عمرك المديد ؟!
قال : يا ولدي، لقد رأيت في حياتي أحداث عجيبة ولكن أعجبها إليَّ ما سوف أقصُّه عليك ، فاحفظ عني وخذ العبرة لك ولمن وراءك !!
لقد كنا في الزمن الغابر نقتات في بعض مواسم السنة على ما نقوم بصيده
وقد خرجت ذات موسم أصطاد، ومرَّت بضعة أيامٍ وأنا أتربَّصُ للصيد دون جدوى، حتى بدأ اليأس يدبُّ إلى نفسي من الرزق في تلك الغدوة، وبينما أنا كذلك أراني الله عجباً !!
لقد رأيت ثعبانًا يراقب شيئًا ما ويتحرك نحوه ببطء ، فتبعته حتى رأيت أمامه يربوعاً صغيراً يأكل من خشاش الأرض ، وسرعان ما صار بين فكيِّ الثعبان وبدأ بابتلاعه ، وأنا في مكاني أتابع المشهد ، وأرى جسم اليربوع يتنقل في جوف الثعبان ببطء من حلقه إلى وسطه !!
وعندما وصل اليربوع إلى نحو نصف جسم الثعبان تحرَّكت نحوه وأنا لا أدري لمَ تحركت ، وأخرجت بندقيتي وصوبت فوهتَها نحو رأس الثعبان وأطلقت رصاصةً عاجلةً خرقته وتركته يتلوى قليلاً ثم مات
أقبلت عليه وأخرجت حربتي وطعنت في الموضع المنتفخ من جلده وشققته ، فخرج اليربوع وفيه رمَقٌ ، لم يمُت بعد !
ركزت حربتي في الأرض وجلست غير بعيدٍ منه وأنا أتأمل فيما صنعت ، ولا أدري ما الذي دفعني لفعل ذلك !
رأيت الحياة تعود إليه ، بدأ يمشي يحاول الركض لكنه يترنَّح يمنةً ويسرةً ، بدأ يُسرع ركضته مستقيمة !!
يا الله لقد نجا ، لقد نجا !
لم أكد أُنهي خاطرتي إلاّ وصقر كبير ينقضُّ من عُلوٍّ كالبرق ، فينشبُ مخالبه في جسد اليربوع ليطير به بعيداً ، ويختفي عن مدى بصري ويتركني في ذهولٍ من مشهدٍ سريعٍ خاطفٍ مرَّ كلمح البصر !!
شعرت حينئذٍ بأنَّ رسالةً ما قد بلغتني عن ربي مفادُها :
( ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك )
*الحكمــــه*
إنَّ الله هو من يُعطي ويمنع
لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع .
اسعى بقدر استطاعتك ولكن أعلم يقيناً أن الأرزاق بيد الله
قد وافى الثعبان أجلُهُ في لحظةٍ ظفر فيها برزقٍ وافرٍ كان يظنُّ أنَّه سوف يستمتعُ به، وإذا به رزقُ غيره سيخرجُه الله له من داخل جوفه وهو لا يعلم !!
وأما اليربوع فقد أُكِل مرَّتين، وكانت المرة الثانية في اللحظة التي ظنَّ فيها أنه نجى بالفعل، ولم يعلم أن مستقرَّهُ سوف يكون في بطنٍ آخر بعد أن يُقطَّعَ إرَباً
وأما أمرُ الطائر فهو الأعجبُ عندي
فقد أخرج الله له رزقه من أغرب مكان ، من بطن الثعبان ، وسخَّر له المخلوق الأرقى في الأرض ليقوم بتلك المهمة ويُقرِّب إليه رزقه !