عاجل

مصر ترد على إسرائيل و”مخاوفها” من قوة الجيش المصري وتطوره المستمر
ترقب لعملية تبادل الدفعة الخامسة من الرهائن والمعتقلين بين حماس وإسرائيل
مؤيدون لفلسطين يواجهون غالانت في نيويورك: “مجرم حرب لماذا تمشي حرا؟” (فيديو)
السعودية تسلّم مصر حصتها من الاضاحي.. إليكم عددها
الإعلان عن موعد دفن آغا خان الطائفة الإسماعيلية في مصر
مسلسلات رمضان 2025 .. طرح البوستر الثاني لـ مسلسل عايشة الدور
ترامب: لن نرسل قواتنا إلى غزة وإسرائيل ستضمن الأمن هناك
إسرائيل وحماس تتبادلان المعتقلين والرهائن السبت في إطار اتفاق الهدنة في غزة
نائبة المبعوث الأمريكي إلى لبنان تعلن بصريح العبارة أنها لا تريد حزب الله في الحكومة
مشاورات مكثفة لعقد قمة عربية طارئة بالقاهرة
اغتصاب جماعي مروع لـ165 امرأة قبل حرقهن.. إليكم ما حدث في سجن غوما بالكونغو
الـ”فاو” تعلن انخفاض مؤشر أسعار الغذاء عالميا خلال يناير 2025
عروس تطلق النار خلال حفل زفافها والشرطة تتدخل
المختصون يحثوا المجتمع الدولي على إعلاء الصوت بالرفض القاطع له لفكرة ترامب
ياسمين الحصري: تعلمت من والدي ألا أنظر إلى خبايا وخفايا الناس

# ‏”ازدواجية المعايير”.. علامة استفهام حضارية

بقلم دكتورة / أماني فؤاد

‏”ازدواجية المعايير”.. علامة استفهام حضارية
وددتُ منذ البداية مشاركةَ القارئ مجموعة من الأسئلة التي تؤرِّقني: ‏
لماذا نندهش حين يتمُّ مبادلة الأسير الإسرائيلي بـثلاثة من الأسْرى الفلسطينيين، أو ‏سنندهش حين يتم تصفير السجون الإسرائيلية من الأسْرى الفلسطينيين في مقابل 50 ‏عسكريًّا إسرائيليًّا، جثثًا هامدة أو جنودًا وقادة؟
منذ متى والحياة عادلة، تحرِّكها قِيَمُ المساواة والانتصار للإنسانية في مُطْلَقها؟ ‏
وفي أيَّة مرحلة عاش الإنسان – على سطْح هذه الكرة الأرضية – تحت مظلة العدل ‏والمساواة!؟
في أيِّ عصْرٍ تحقَّقت المساواة بين من يمْلك ومن لا يمْلك، بين الرجُل والمرأة، بين ‏الأبيض والأسود، بين الأجناس والعِرقيات المختلفة، بين أصحاب الأديان المختلفة؟
بكل الأسف، أستطيع القول بأن التاريخ البشري لمْ يحملْ صفحاتٍ ناصعةً كثيرة تخلو من ‏ازدواج المعايير، فالتاريخ البَشري طالما تعامَل مع نوعَي الجِنس الإنساني تحت طائلة ‏ازدواج المعايير، وجعَل للرِّجال التفوُّق الاقتصادي والمعرفي بما أتاحه لهم من حرياتٍ ‏وتجاربَ، وتلقِّي العِلم والكتابة، وخوْض كل مجالات الحياة.‏
ومنذ قرون بعيدة، تُطل ازدواجية المعايير في البنية الهيكلية لكل دِين، ففي اليهودية ‏يصِفون أنفسهم بشعب الله المختار، وفي الإسلام يردِّدون: نحن خير أُمَّة أُخرِجت للناس، ‏في المسيحية نحن أبناء الرب، ولا يظَل هذا التمييز في نِطاق مجرَّد الخطاب الاستعلائي ‏لأصحاب الديانة الواحدة مقابل الآخَرين، بل يتعمَّق هذا التمييز في التشريعات ‏والمعاملات، التي يتعامَل بها كل أصحاب ديانة حين يمثِّلون الأكثرية، فيرتفعون درجاتٍ ‏عن الآخَرين، إن لمْ يعلُ التمييز للسماوي الغيبي؛ ليَصِفُوا المختلِفين بالكَفَرَة.‏
تجلَّت ازدواجية المعايير أيضًا بين ذوي البشرة البيضاء والسوداء، وعانَت البشرية طويلًا ‏من العبودية، والاستعمار بكل أشكاله، ونهْب مقدِّرَات الشعوب الأضعف والأكثر فطرية، ‏كما نشأت وتوالت مظاهر ازدواجية المعايير في كل الخطابات الغربية، التي تحدَّثت عن ‏حضارة الشرق والغرب، وتبدَّى هذا في كثير من منتَج الاستشراق.‏
ازدواجية المعايير، مفهوم سياسي صِيْغ بهيئته الحديثة عام 1912، ويشير إلى مجموعة ‏من المبادئ، تتضمَّن أحكامًا مختلِفة لمجموعة من الناس، بالمقارنة مع مجموعة أخرى. ‏مبادئ يُنظر إليها على أنها مقبولة بالنسبة لمجموعة من الناس، ولكنها تُعتبر غير ‏مقبولة، ومن المحرَّمات عندما تُستخدم لمجموعة أخرى. ويمكن وصْف هذه المبادئ بأنها ‏تتضمَّن نوعًا من التحيُّز والنفاق، ظالمة لأنها تنتهِك مقولة أساسية في الفِقه القانوني ‏الحديث: إن جميع الأطراف يجب أن تقف على قَدَم المساواة أمام القانون. الكَيل بمِكْيالَين ‏أيضًا انتهاك لمبدأ العدالة المعروفة بالمساواة والحياد، والذي يقوم على أساس افتراض أن ‏نفْس المعايير ينبغي أن تُطبَّق على جميع الناس، وأن المفاضَلة والتحيُّز – على أساس ‏الطبقة الاجتماعية، أو العِرق أو اللون أو الدين أو الجنسية أو النوع – شكل من أشكال ‏التمييز.‏
وتنشأ عادةً ظواهرُ ازدواج المعايير لصالح من يملك القوة بأنواعها؛ قوة العِلم والسلاح ‏والمال والسيطرة على الرأي العام، مَن لديه السطوة والنفوذ، ويقبض على وسائل التحكُّم ‏في الآخَر تحت ادعاءات كثيرة، يبرِّرون بها لأنفسهم السيادة، ووضْع أنفسهم في المرتبة ‏الأقوى والأرقى والأكثر تحكُّمًا.‏
ازدواجية المعايير تبدأ عادةً بفكرة يُطلِقها فرد أو تيَّار، ثم ما تلبث تنتشر ضمن مجموعة؛ ‏حيث تجد رواجًا لمردودها، الذي يَجني مكاسبَ ماديَّةً ومعنوية للمجموعة البَشرية التي ‏أطلقَتْها وصدَّقتها، ثم أدخلَتْها في سياق ووعي الآخَرين الجمعي، بأسالِيبَ عِدَّة. ‏
ويقَع البَشر العادِيُّون تحت القناعة بازدواج المعايير هذه، وممارستها، دون شعور بالوقوع ‏في هذا الفخ أحيانًا، فحين يُعَد الخطاب المتعالي بقصدية، ويُذَاع وينتشر متضمِّنًا ازدواجًا ‏في المعايير، وتعكُف على ترويجِه آلةٌ إعلامية متعدِّدة الأذْرُع، توهِم الجميعَ بأن هناك ‏رأيًا عامًّا مهيمنًا، داخل مجتمعات توصَف بالديمقراطية، حيث تحتمل وتشجِّع الاختلاف ‏والتضارُب والجدل، وتتباهَى بهم، وهي في الحقيقة بممارساتها الإعلامية – منذ البداية – ‏تقنِّنهم بدراية، وتضعهم: “حق الاختلاف، وحالة جدل الأفكار، وحرية التعبير” داخل دائرة ‏واحدة، جميع ما يُطرح بداخلها يُفضي لموقِف إدانةٍ متَّفَق عليه مسبَّقًا، ومصاغ من أسئلة ‏محدَّدة تتكرر من منابِرَ متعدِّدَة، لا تحتمل إلا إجاباتٍ تدين طرفًا، هذه السياسة الإعلامية ‏بإمكانها أن تشكِّلَ رأيًا عامًّا، تم توجيهه مسبَّقًا. حيث أصبح الرأي العام صناعةً بما ‏يتضمن من ازدواجية المعايير.‏
لقد اتفقتْ كل وسائل الإعلام تقريبًا – في الغرب وأمريكا – على صياغة أسئلة وطرْحها، ‏بطُرُق محدَّدة، فجاءت الإجاباتُ – مهما اختلفت شخصية ومِهنة وجنسية الذي يجيب – ‏بأنَّ إسرائيل في حالة الدفاع عن النفس، وأجازوا لها ما تفعل، وقال المعتدِلون نسبيًّا إن ‏إسرائيل تُغالي في حالة الدفاع عن النفس، في كلا الخطابَين تظَل إسرائيل في حالة ‏الدفاع عن نفسها، وتناسَوا تمامًا إن إسرائيل تُبيد شعبًا كاملًا، إبادة جماعية، والإبادة ‏الجماعية هي نِيَّة وقصديةُ قتْل وتشريد أكبر عدد ممكن من الناس، أن تمنع عنهم الماء ‏والطعام والكهرباء والوقود، ولا تكترث لموتهم، فحماس ومواطنو غزة مجرَّد مجموعة من ‏الحيوانات المتوحشة، أن توزِّع على المستوطنيين الأسلحة، وتدرِّبهم على استخدامها ‏لإباحة قتْل كل من يقترب منهم، ألا ترى في قتْل أكثر من 5000 طفل كارثة بشرية؟!‏
في مشهد معبِّر، الأيام الماضية، صحِب نيتانياهو إلن ماسك في جولة بالمستوطنات ‏الإسرائيلية؛ ليشاهد بنفسه آثارَ عدوان حماس، ليقول له: هؤلاء هم من تعاطَفتَ معهم، ‏ولكي ترصد كل كاميرات العالَم بيوتَ المستوطنيين، الذين تعرَّضوا لهجوم حماس، وتمَّ ‏أسْرُهم، والهدف بلا شك نزْع أيِّ تعاطُف مع أهالي غزة؛ ليظَلُّوا منعزلين، بلا شبكات ‏للتواصُل، حيث قطَعتها إسرائيل منذ بداية عملية طوفان الأقصى، وبلا شك لم يقُصّْ ‏عليه نيتانياهو محطات الجرائم، التي قامت بها إسرائيل مع الفلسطينيين، في كل الوقائع ‏التاريخية السابقة. لم يقُل له إن اليهود اغتصبوا أراضيهم وبيوتهم وثرواتهم، وهو ما رسَّخ ‏لِعَداء تاريخي بين الطرفَين.‏
لم يقل له إنه كي يدافع عن نفسه قصف المستشفيات والكنائس والمساجد والمخابز، ‏ضاربا بعرض الحائط أبسط حقوق المدنيين العزل، لم يقل له أنه يعتقل الأطفال ‏بسجونه، ويعذبهم ليكشف تحركات عناصر حماس.‏
أعاود التساؤل ثانية، لماذا نقف اليوم ونرفض ازدواج المعايير، هل لأننا صدَّقنا أن العدل ‏كيان يمكن أن يتنفَّس ويعيش ويتحرك على قدمَين فوق الأرض، وتَصوَّرنا أن هناك قاعدةً ‏من القيم والمبادئ العُليا، التي تقوم عليها الحضارة الإنسانيَّة، المساواة والعدالة، ومراعاة ‏حقوق الإنسان، وأوَّلهم حق الحياة ذاتها، وأن على الجميع أن يلتزم بهذه القِيَم، والعمل ‏على إيجاد طرُق وآليات ومؤسسات تحافظ على تحقُّق تلك القِيَم والالتزام بها، والوقوف ‏في مواجهة من يعبَث بها؟
هل واجهت الحضارة الغربية نفسها بعد هذه الإبادة الجماعية، التي قامت بها إسرائيل ‏ضدَّ الشَّعب الفلسطينيِّ، هل شعرت بأنها حضارة المقولات والقِيَم المُزيَّفة، هل أدركت ‏أنها مزدوَجة المعايير؟
لطالما تباهَى الغرب بأن مفكِّريه ومثقَّفيه ومبدعيه هم مَنْ يقودون الرأي العام، ولهم ‏تستمع النظم السياسية، وأشكال السُّلطة كافة، هكذا ادَّعوا؛ على الغرب أن يُعيد النظر ‏في مقولاته وخطاباته التي طالما صنَّفوا فيها أنفسهم الأكثر رُقِيًّا ونُضجًا وعدْلًا؟
أين هو هذا العدل، وأنتم ساسة الغرب تصمتون تجاه الظلم والقهر، الذي تنطق به ‏الصور والفيديوهات، التي تُعرض للجميع عن إبادة الفلسطينين، مَشاهِد يستباح فيها إراقة ‏الدماء وقتْل الأطفال، والمقابر الجماعية، وتدمير أشكال الحياة كافة؟
فلولا وسائط التواصُل الحديثة، وبناء محتوى مختلف، أظهر فيه جيش هدَّار من شباب ‏وشابات الفلسطينيين – الذين وُلِدوا وتلقَّوا التعليم في شتاتهم – حقيقة الإبادة التي تحدُث ‏على أرض الواقع في غزة؛ لَمَا تعاطفت الشعوب الغربية نسبيًّا مع القضية الفلسطينية، ‏لَمَا خرجوا في تظاهرات لرفْض تلك الإبادة التي تحدُث، فلقد صنَع هؤلاء الشباب ‏الفلسطيني المدرب محتوًى إنسانيًّا قويًّا في طرْحه، استند إلى المنطق، وعمَد إلى قياس ‏القضية بمقاييس القِيَم الإنسانية، بمقولات الحضارة الغربية ذاتها، التي طالما تعالَت على ‏الجميع بها، وتعامَلت بها كوسائل ضغْط على الدول، التي لمْ تلتزم بها. كأنهم ‏يخاطبونهم بنفس بضاعتهم التي رَدُّوها إليهم، ليشاهدوا تراخيهم وظُلمهم، حين يحكمون ‏على القضايا من منطلَق الكَيل بمكيالَين.‏
ولأنَّنا نتقاسم الحياة، والقِيَم الإنسانيَّة عينَها: الحريَّة، والعدالة، والمساواة، وحقوق الإنسان، ‏وحماية الكرامة الإنسانيَّة، ونبْذ التعصُّب والعنصريَّة، ونبْذ الحرب والدِّفاع عن السِّلم، ‏ورفْض الاحتلال، والاعتراف بحقِّ الشُّعوب في استرداد أراضيها المحتلَّة، وفي تقرير ‏المصير والاستقلال الوطنيِّ، علينا جميعًا حماية المبادِئ والقِيَم الكُبرى، التي صنعتِ ‏الحضارةَ الإنسانيَّة الحديثةَ والمعاصِرة. علينا أن نكشِف قَدْرَ الظُّلم، قَدْرَ النفاق ‏والاستعلاء، واللعب على القِيَم لتغليب المصالح، فهذا هو ما يتضمَّنه مصطلَح “ازدواج ‏المعايير”، وهذا هو ما ترفضه الفطرة البشرية كما ترفضه الحضارة الإنسانية بمنجزها ‏المتراكم.‏

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net
موقع الرسالة العربية