عاجل

عمرو دياب لجمهوره في العلمين: «هعملكم كل اللي أنتم عايزينه مع إن ده مش طبعي»
# (هاتها جمايل) …. شعر
الحوثيون يعلنون استهداف مطار “بن غوريون” بصاروخ باليستي فرط صوتي
بوتين يعلن دخول الصاروخ الروسي “أوريشنيك” الأسرع من الصوت الخدمة.. ماذا نعرف عنه؟
شاهد.. أهداف مباراة ليفربول ويوكوهاما الياباني
ترامب: نعمل على خطة لـ”إطعام” سكان غزة.. وكان يجب أن يحدث ذلك منذ زمن
مرض خفي.. تفاصيل جديدة حول سبب وفاة الأسطورة هالك هوجان
وزير الخارجية المصري: اتصالات مكثفة لزيادة الاعتراف الدولي بفلسطين
فنان شهير يثير جدلا واسعا بعد رفضه التكريم ضمن فعاليات “المهرجان القومي للمسرح المصري”
الحوثيون: نفذنا عملية عسكرية نوعية استهدفت مطار اللد الإسرائيلي بصاروخ باليستي فرط صوتي
الأمن المصري يوجه ضربة قوية لتجارة المخدرات ويضبط شحنة ضخمة
ردا على تصريحات الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف
# الروح عليك تنادى ….. شعر
ذكرى غزو العراق للكويت: حكاية “عاصفة الصحراء” التي هبّت على الشرق الأوسط فغيّرته إلى الأبد
لهذا السبب جون سينا لا يريد إنجاب الأطفال

فيلم ( بداية ونهاية ) من أروع قصص نجيب محفوظ

بقلم / حسن اللبان

بداية ونهاية
***********
من أعمق وأفضل كتابات الأديب الكبير نجيب محفوظ …
العنوان يشير إلي مشوار عائلة مصرية يطحنها الزمن حين يموت عائلها فجأة … فتنتقل من حياة الكفاية والستر إلي الحاجة والعوز … نري في تلك العائلة التعيسة كيف تتعامل نماذج من البشر مع ابتلاء الفقر وذل الحرمان… إلى أن نصل إلى ” نهاية ” كل واحد منهم …وكأنهم بعد أن باعت أمهم أثاث البيت لتلبية مطالب الحياة يبيع كل واحد منهم نفسه سواء مبادئه او أحلامه ليعيش … أو ليموت !
فالبداية مع الموت …. والنهاية أيضا مع الموت !
الكتاب متعة للقراءة … والفيلم متعة لا تقِل … وهو بالتأكيد جدير أن يكون رقم ٧ في قائمة أفضل مائة فيلم مصري وإن كنت أراه يستحق المركز الأول أو الثاني …. من النادر أن تكتمل عناصر فيلم واحد بهذه الروعة والامتياز … أخرجه المبدع أبو الواقعية صلاح أبو سيف عام ١٩٦٠ ( هو صاحب ١١ فيلما في تلك القائمة) … وحولته موسيقي فؤاد الظاهري المصاحبة للأحداث إلي ملحمة من الشجن والألم ! اختيار الممثلين رائع …مستحيل أن تقترح بطلا آخر لأي دور …
الأم أمينة رزق …من غيرها يجسد قمة البؤس والتعاسة وهي تواجه المسئولية وحدها… ورغم هذا لا تفقد إيمانها وتتمسك بالصبر والحزم والجَلَد …وتخطط بشجاعة لمستقبل حياة متقشفة لتنجو من تسول المساعدة وتنتقل بأولادها للبدروم مما يثير استياءهم …
من هول الصدمة التي قلبت حياتها يقول نجيب محفوظ على لسانها جملة موجعة تناجي فيها زوجها الراحل :
“يحٍز في نفسى ألا أجد فراغاً للحزن عليك يا سيدى و فقيدى و لكن ما الحيلة ؟ حتى الحزن نفسه محرم على أمثالنا من الفقراء”.
أكبر الأبناء حسن ( فريد شوقي في آداء عظيم ) ينصفه الفيلم أكثر من القصة … فهو في القصة ساخط ناقم على أبيه… حتي موته لا يثير فيه الحزن ولا يمنعه من سرقة ما تبقى من جنيهات قليلة في محفظته وقت العزاء !
أما في الفيلم فهو بلطجي وفتوة خفيف الدم ….حاول أن يفرض نفسه بالعافية كمطرب أفراح …. ولما يفشل يلقي بشبابه في احضان غانية يعيش معها ويرمي ضميره في نار تجارة المخدرات التي سرعان ما تلتهمه … لكنه رغم ذلك به بذرة خير لم تمت فهو يتذكر أسرته من حينٍ لآخر ويدخل عليهم ببعض اللحم الذي نسوا مذاقه و لا يبخل بمصاريف الكلية حين يطلبها منه حسنين …. إنما هو في النهاية قد باع نفسه للشيطان وشبح الموت الذي يطارد أبطال القصة يصله ….
حسين (الممثل كمال حسين )
هو النموذج السوي الوحيد المتمسك بالمبدأ و المتحلي بالضمير والقوي بالقناعة والرضا … يعلم تماما أنانية أخيه وطموحه الجامح علي حساب الكل … يضحي بآماله في استكمال تعليمه العالي حتى يتوظف ويساعد عائلته المنكوبة وحتي “بهية” ابنة الجيران يتخلى عن مشاعره تجاهها حين يعلم برغبة حسنين في الارتباط بها . ولكن حسنين سرعان ما يملّها ويلفظها لأن تطلعاته كانت أكبر منها .
ثم نأتي إلي أهم بطلين…. والذيْن أدى كل منهما في نظري دور العمر : عمر الشريف ( حسنين ) وسناء جميل ( نفيسة ) وقد احتلت سناء جميل المركز الثالث في جائزة افضل ممثلات العالم في مهرجان موسكو السينمائي عام ١٩٦١ عن دورها في هذا الفيلم
الأخ والأخت هنا بينهما ارتباط كبير …في الحياة و في الموت …. حسنين دائما يستدر عطفها ليأخذ منها النقود من أجل الوجاهة والمنظرة وآه لو علم من أين تأتي بها نفيسة ! لكنه أبداً لم يعنيه مصدرها و يكفيه أن يأخذ ! و رغم تلك العلاقة الوثيقة هما نقيضان : نفيسة المسكينة فتاة قليلة الجمال قليلة البخت … نموذج للتضحية بلا حدود حتي على حساب نفسها وشرفها بينما هو منتهى الأنانية والإنتهازية وحب الذات والسعي للمظاهر بأي وسيلة .. ..إنه عبد نفسه ويضحي بالجميع من أجلها !! يستخدم الكل حين يحتاجهم ويرمي بهم في أقرب سلة قمامة حين يأخذ ما يريد أو يجد الأفضل … لا أظن عمر الشريف له في مشوار أفلامه العالمية مثل هذا الإبداع و الأستاذية في الآداء !
و نعود لنفسية
نفيسة فتاة تتضاءل أحلامها ويتقلص طموحها فور مداهمة الفقر لحياتها ! فهي فتاة لا مسحة للجمال فيها …أي أمل لها في الزواج وهي علي هذه الضحالة ” لا مال ولا جمال ” ؟ ….أدارت لها الدنيا ظهرها بعد موت الأب وتشجعها أمها علي امتهان ” التفصيل” لتساعدها في مصاريف المعيشة مما يحط من قدرها أكثر وأكثر ..فهي ” الخياطة” في الحارة الشعبية … يلعب علي عواطفها ابن البقال ( صلاح منصور ) ويخدعها بحبٍ زائف ووعد كاذب بالزواج … وخوفاً من ضياع ما تصورته أملها الوحيد تنزلق في الخطيئة معه معتقدة أنها هكذا تحتفظ به …بينما يستمر هو في ابتزازه لها نظير ” البقالة ” إلى أن يتخلى عنها ليتزوج بأخرى ويهينها ويطردها ” هو انا كنت ضربتك علي إيدك ” فتعود من عنده مهزومة مكسورة ونقرأ علي الحائط من خلفها كلمة ” روبابيكيا ” في إشارة موجعة لما آل إليه حالها ! وليس هذا فقط …. مأساة نفيسة ضعفها أمام احتياج عائلتها وعوزهم وحنانها الزائد وإشفاقها علي حسنين …و بعد أن تفقد عفتها و كرامتها مع ابن البقال تتحول إلي عاهرة محترفة نظير ريال وأقل ! حتي من يشتري منها المتعة لا ينسى أن يؤذيها وهو يرميه لها باحتقار بل و يعايرها قبل أن يتركها ” كفاية عليكي ” في إشارة لوجهها البائس الخالي من أي جمال …مسكينة نفيسة ما عادت فيها ذرة كبرياء !!! في القصة وصف نجيب محفوظ للمشهد مؤلم كل الألم …. نفيسه تلتقط الريال من راغب المتعة الذي رماه لها علي الأرض وتقول في محاولة لزيادة ( أجرها ) ” بس انت مقامك أعلى من كده ” فيكون الرد الصافع ” لكن الريال أعلى من مقامك إنتي ” …وياله من إسم اختاره لها نجيب محفوظ … ( نفيسة) بينما هي لا أحقر منها ولا أرخص!
في مشهد ختامي يخلع القلوب
يذهب حسنين لاصطحابها من القسم بعد أن قُبض عليها في بيت دعارة …تمشي نفيسة وراءه وكأنها في طريقها لغرفة الإعدام …. تعلم أنه قاتلها لا محال … لكن حتي عندما يخرج مسدسه تضحي للمرة الأخيرة لتحميه حتي لا يضيع مستقبله …. فتمضي وحدها طواعيةً الي النهر تلقي فيه بنفسها الآثمة وهو واقفٌ ينظر لها وهي تنهي حياتها دون أن يرجف له جفن !
تخرج من الماء جثة هامدة بعد أن غرقت مع خطاياها… يذهب يتفحصها مثله مثل مَن التفوا حولها وينكر معرفته بها ….
بخطوات متثاقلة يبتعد عن جثة أخته …. و يدرك لأول مرة مقدار جبنه و نذالته و أنانيته …ولعله اكتشف أن نفيسة علي وضاعتها امتلكت من الشجاعة ما لا يملك …. حتي قراره بالتخلص من حياته لا يخلو من نرجسية فقد اتخذه ليهرب من مواجهة عار اتهام أخته بالدعارة … وهو من عاش عمره يهرب من العار تلو العار …. عار الفقر والمدرسة المجانية… عار الحاجة والملابس الرثة والبيت الهزيل … عار أخيه المجرم الهارب من الشرطة …
هل يمكن أن يكون قد اعترف لنفسه أخيراً أنه مدين بتحقيق طموحه والمحافظة علي وجاهته لنقود تاجر مخدرات وعاهرة… ومن لحمه ودمه ؟
لا مفر لمثله إلا أن ينهي حياته ….وهكذا يقتص الموت من ثالث أفراد الأسرة المنكوية بعد رحيل عائلها !
بداية ونهاية…متعة أدبية تعتصر القلب حزناً وألماً وإعجاباً … ومشاهدة سينمائية لا تقل إمتاعاً مع أبطال جسدوا الواقع المرير لشخصيات محفوظ بمنتهي المصداقية وكأن الشخصيات التي رسمها قلمه قد اخترقت صفحات روايته ودبت فيها الحياة !

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net
موقع الرسالة العربية