بقلم دكتورة /جيهان النمروسي
عمري ما بصيت علي قصة سيدنا موسي
مع سيدنا الخضر من هذا المنظور:
سورة الكهف بتقولك ان فيه شخص غامض قابل النبي موسى – عليه السلام – ، وأخذه معه في الطريق ، وطلب منه الهدوء والصبـر طول الوقت ..
ركب سفينة ، فخرقها حتى أوشك ركابها على الغرق .. وبعدين لقى غلام صغيــر برئ ( لم يصل لمرحلة الشباب ) ، فقام بقتلــه ببساطة .. وبعدين وجد حائط على وشك الإنهيار ، فأقامه ..
ثم ، بعد ما انتهت الحكاية .. حكى التأويل المعروف :
السفينـة كانت ستقع في أسر ملك ظالم إذا لم يخرقها ، وبالتالي المساكين اللى بيشتغلوا عليها حياتهم هتكون صعبة.. وان الغلام كان هيكون في المستقبل طاغية يرهق أبويه المؤمنين بالله .. وأن الحائط كان تحته كنــز دفين لغلامين يتيمين في القرية ..
وبعدين تركه ، ورحل ..
موسى عرف التأويل بعد ما فقد أعصابه عدة مرات من هول وتناقض ما رآه .. واحنا عرفنا التأويل بناءً على الخبر القرآنى ..
لكن الاشارة المؤلمة في القصة كلها .. ان الأبطال اللي تعرّضوا لهذه المواقف بأنفسهم ، لم يذكـر في القرآن إطـلاقاً أنهم عرفوا اسبابها إطلاقاً حتى لحظة موتهم ..
يعني ركّــاب السفينة – ربما – ظلوا طول عمرهم يلعنون الشخص الغامض اللى خرق السفينة وعرّض حياتهم للخطر ثم اختفى ..
والأب والأم المؤمنين ربما ظلوا طول حياتهم بيدعوا على ( الظالم ) اللى قتل ابنهم الصغيـر ظلمـا ، ويبكون عليه ذكراه بحرارة ..
واليتيمين في القرية ربما اعتبروا أنهم ( محظوظين ) أو ان الحائط قائم بذاته أصلاً فوق الكنز..
الشخص الغامض في سورة الكهف هو ممثل القدر .. هادئ ، مستفز ، غريب الأطوار ، صامت ، تصرّفاته همجية وغير مفهومة ..
لكن يتضح في النهاية انه يتحرّك طول الوقت بحكمة مطلقة ، تحركات دقيقة مدروسة ، ويعرف ما يفعله بالضبط ، بخصوص كل حالة إنسـانية فردية ( وليس على المستوى الجماعي فقط ) .. حتى لو بدت كارثية بشعة جداً ..
غضب موسى – عليه السلام – يكافئ غضبك بالضبط لما تلاقي طفلة ماتت من الجوع .. او رجل مريض ملقى على قارعة الطريق .. او مجنون يمشي في الطرقات .. او فقدان قريب لك فجأة .. الخ .. دون أن تتصوّر للحظة أن هناك سبب واحد يبرر هذه المأساة ..
ربما لأن تكوين القدر نفسه غير قابل للإدراك العقلي ، وأن التعامل الوحيد معه هو الصبر لأبعد مدى ، مهما بدا ان اللى بيحصل غير خاضع للمنطق أو الآدمية ، ومهما بدا انه يعطيك صورة بشعة عن طريقة تنظيم الكون ، اللى احيانا تبدو امامك عبثية جداً ، وفوضوية ، وظالمة وبشعة ..
يعني الخبــر المبهج – وفقاً للقرآن – ان كل الكوارث ، الأمراض ، السعادة ، الآلام ، الأفراح ، إلخ .. هناك حكمة ذكيّــة من وراءها ، حتى لو لم يستوعبها جهازك العصبي ..
الخبر المؤسف ، انك – ربما – هتعيش وتموت ، دون شرط أن تعرف تفسير للحكمة من وراء معظم ما حدث لك في حياتك ، سواءً خير أو شر …