كتب / حسن اللبان
رغم أنه صديق عمره وبكاه يوم وفاته:
———————————————–
لماذا أصر الدكتور مصطفي محمود علي إزالة سرادق الاربعين للموسيقار عبد الوهاب قبل العزاء؟
—————————————————–
الوقت: الثالثةبعد الظهر ١٠يونيو ١٩٩١
المكان :الزمالك عمارة الفنان الراحل الموسيقار محمد عبد الوهاب .. السيدة نهلة القدسي ارملة عبد الوهاب تستعد واولادها واحفادها للذهاب الي مسجد مصطفي محمود في شارع جامعة الدول العربية بالدقي لاستقبال المعزيين بذكري الاربعين لوفاته وذلك في السرادق الضخم الذي ينصبه احد محال الفراشة الشهيرة بجوار المسجد..ولكن يتبدد الهدوء ويتكهرب الجو بمكالمة صاحب محل الفراشة وهو يخبر حفيدها بقيام موظفي وعمال مسجد مصطفي محمود بأجبارهم علي فك وازالة السرادق وبدون تفكير طالبته السيدة نهلة القدسي ان يدخل المسجد ويقابل الدكتور مصطفي محمود ويخبره بما حدث وهو سيعالج هذا التصرف الغريب فهو الصديق الصدوق للموسيقار الراحل ولن يرضيه ما حدث..ولكن كانت الصدمة الثانية والاكثر أيلاما للسيدة نهلة و لا تصدق ما تسمعه من صاحب محل الفراشة وهو يقول لها بأن كل شئ تم في حضور دكتور مصطفي محمود واشرافه بل أنه امسك بعرق خشبي وطارده به ليعتدي عليه أي صاحب المحل عندما أصرعلي حماية السرادق ومنع إزالته..انهارت السيدة نهلة من هول ماسمعته فالصدمة كانت اكبر من تحملها لها
الساعة الأن : الثالثة ونصف
رنين التليفون في مكتب العقيد محمد نور مفتش مباحث جنوب الجيزة بمكتبه في الطابق الثالث بمديرية امن الجيزة الذي يرفع السماعة وثمة صوت نسائي. علي الجانب الآخر يبدو معروفا يقول محمد باشا نور والذي يجبها نعم أنا .. ليرد عليه الصوت النسائي تمام حضرتك أنا الفنانة ياسمين الخيام وبصراحة شقيقي دكتور محمد الحصري وطبعا هو صديقك كما عرفت منه اعطاني رقمك تليفونك منذ مدة واخبرني بالتواصل معك لمساعدتي في. أي مشكلة تواجهني ..لم تنتظر ياسمين الخيام الصديقة الأنتيم للسيدة نهلة القدسي اجابة من العقيد محمد نور الذي اصبح بعد سنوات مساعد اول وزير الداخلية واسترسلت في حديثها وشرحت له قصة ازالة سرادق عزاء الموسيقار عبد الوهاب والموقف الغريب للدكتور مصطفي محمود قائلة ان الموقف الان في غاية الحرج فطبقا لما نشرته الصحف فالمعزيين سيتوافدون بعد ساعات وبالطبع لن يكون هناك سرادق اصلا ارجوك تدخل وتعالج الموقف مع الدكتور مصطفي محمود وبالمرة ذكرت ياسمين الخيام رقم الدكتور مصطفي محمود للعقيد محمد نور الذي كان واضحا اكثر دهشة من تصرف دكتور مصطفي محمود قائلا لياسمين الخيام أنه مندهش فعلا فقد كنت بحكم منصبي مسئولا عن تأمين العزاء في الموسيقار الراحل وكان واضحا تأثر دكتور مصطفي محمود الشديد وهو يبكي لدرجة الانهيار لوفاة صديق عمره الموسيقار محمد عبد الوهاب حتي أن اسرة عبد الوهاب كانوا يهدئون من مشاعره. انتهت المكالمة بين العقيد نور وياسمين الخيام بوعده لها ببذل كل جهده لحل الازمة…..
بعد دقائق كان العقيد محمد نور يدير قرص التليفون ثم تبدأ محادثة بمجرد بدء المكالمة بالسؤال: حضرتك دكتور مصطفي محمود .. ليرد علي الطرف الاخر صوت رخيم يقول آيوه إنا . . ليقول له أنا العقيد محمد نور مفتش مباحث جنوب الجيزة الذي يصطدم برد الدكتور. عليه وهو يقول بصوت اقرب الي عدم الاكتراث حصل لنا الرعب..
ابتلع العقيد نور ريقه ضابطا لنفسه حرصا علي نجاح مهمته الانسانية وهو يبادر الدكتور مصطفي محمود قائلا: علي فكرة انامتابع جيد لحلقات برنامج سيادتك. ومتفاعلا مع افكار حضرتك وبصراحة استفيد من ارائك ثم اندمجا في حوارو نقاش حول بعض أفكار دكتور مصطفي محمود المتداولة في الحلقات مما أثار اعجابه وتحول في حديثه مع العقيد نور الي كل احترام وتقدير و هو يداعبه قائلا: غيرت أفكاري و انطباعي عن ضباط الشرطة ماكنتش اعرف ان منهم مثقفين. وفاهين قوي كده .وهنا بادره العقيد نور ضاحكا طالما كده بقي بصراحة أنا كنت ناوي اتحدث معك بشأن موضوع انساني. وحساس جدا عندك في المسجد ليرد. دكتور مصطفى أكيد موضوع السرادق قائلا بص يا محمد بك. الدنيا كلها عارفة حجم مكانة الموسيقار عبد الوهاب صديق عمري. الله يرحمه ولعلمك سرادق العزاء الوحيد الذي اقيم بجوار المسجد ولن يقام لغيره مرة اخري تحت أي سبب كان لمحمد محمد عبدالوهاب ..ولكن اليوم الامر مختلف فلا يوجد في الاسلام ما يسمي ذكري الاربعين والذي ما هو الا طقوس فرعونية متوارثة بفترة اعداد وتجهيز الجثامين لما بعد الموت وكانت تستغرق هذه العملية اربعين يوما لتتم طقوس الاحتفال الجنائزي فكيف لي وانا احد الداعيين الي التمسك بأصول الدين ان أحتفل بطقوس تتعارض مع ديننا الحنيف وكذلك فأنا فوجئت بأقامة السرادق دون أي تنسيق آو استئذان من طرف الاسرة. واستطرد قائلا أصبحت امام خيارين اما انفذ ما أدعو اليه من صحيح الدين وأظل صادقا مع نفسي ودعوتي آو اخالف ربي وأغضب ربي وهو ما لا استطيعه فكان قرار ازالة السرادق ..
قال العقيد نور الذي قد ادرك استحالة التأثير علي د مصطفي بصراحة يا دكتور مصطفي انا مقتنع تماما بوجهة نظرك ولكن هناك ازمة في الطريق بتوافد المعزيين ولابد من اتاحة بديل جديد و وفجأة خلال الحوار بينهما طرأت فكرة نقل مكان العزاء الي مسجد الحامدية الشاذلية بجوار نادي الزمالك ..ولكن العقيد نور طلب من دكتور مصطفي السماح بتعليق لافتتين بجوار مسجد مصطفي محمود يتم الاعلان من خلالهما عن نقل مكان العزاء الي الحامدية الشاذلية وهو ما وافق عليه دكتور مصطفي محمود في الحال ..وعلي الفور اجري العقيد نور اتصاله بمدير دار مناسبات الحامدية الشاذلية الذي يعرفه جيدا بحكم عمله ولحسن الحظ وجد القاعتين خاليتين هذا اليوم من أي حجز فطلب حجزهما فورا مع تكليفه بكتابة لافتة في مدخل القاعة تشير الي انها مخصصة للعزاء في ذكري الاربعين للموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب مؤكدا ان مندوب من أسرته سيصل اليه لاستكمال اجراءات الحجز..
…دقائق. و اتصال جديد من العقيد محمد نور مع ياسمين الخيام الذي اخبرها بتفاصيل ماحدث ليجدها وقد اقتنعت مثله تماما بوجهة نظر الدكتور مصطفي محمود وشكرته علي مبادرته بالحل البديل الذي عالج الموقف بأفضل ما يكون ..
الوقت : الثانية عشر ظهر اليوم التالي
ورنين التليفون يرتفع مرة أخري في مكتب العقيد محمد
نور….. علي الطرف الاخر السيدة “نهلة القدسي “تقدم له الشكر علي حسن صنيعه مع الاسرة التي انقذهم من الحرج الشديد.
