عاجل

ولي العهد المغربي يستقبل الرئيس الصيني لدى وصوله إلى الدار البيضاء
تعادل الأهلي المصري والاتحاد ينقلهما إلى الصدارة مع بيراميدز
“يديعوت أحرونوت”: الإعلان عن وقف إطلاق النار بين “حزب الله” وإسرائيل قد يتم خلال أيام قليلة
قائد الحرس الثوري الإيراني: قطعا سننتقم من إسرائيل
مفاجأة بشأن مناقشات قانون الإيجار القديم ومصير عقد الـ59 سنة
حزب الله”: اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة والصاروخية مع القوات الإسرائيلية في بلدة الجبين
ختام مهرجان القاهرة السينمائي.. فيلم “أرزة” يحصد جائزتي أفضل ممثلة وأفضل سيناريو
ختام مهرجان القاهرة السينمائي.. فيلم “أرزة” يحصد جائزتي أفضل ممثلة وأفضل سيناريو
حرب نووية تلوح في الأفق.. مخاوف من تدمير المنظومة الأمنية في أوروبا
محكمة جنايات القاهرة تستكمل محاكمة مضيفة الطيران التونسية بتهمة إنهاء حياة ابنتها بالقاهرة الجديدة.
تفاصيل اتهام مخرج شهير بسرقة زوجة المخرج خالد يوسف
الرئيس الصيني يزور المغرب ويلتقي ولي العهد
الحوثيون يعلنون استهداف قاعدة “نيفاتيم” الإسرائيلية
محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير مسمى
تحرك برلماني لإلغاء قرار رفع أسعار المكالمات الهاتفية والإنترنت

مصر هى أمنا وضرعنا وزادنا وملاذنا وحضننا الدافئ

بقلم  / عزت السعدنى

«كنا ثلاثى الأهرام المرعب الذى لا يتكرر ولن يتكرر».. حقا وصدقا ويقينا.. عبد الوهاب مطاوع ومحمد زايد وأنا.. كما قال عنا يوما الصحفى الكبير جلال الدين الحمامصى.. أستاذ الأجيال الصحفية وأحد أعمدة النور والتنوير فى مدرسة أخبار اليوم التى تضمه مع مصطفى أمين وعلى أمين ومحمد التابعى وموسى صبرى وأنيس منصور.. أقول كنا ثلاثى الأهرام الذى لن يتكرر نسير ذات صباح مشمس فى شارع سليمان باشا الذى اسمه الآن طلعت حرب فى وسط البلد فى طريقنا إلى مبنى جريدة الأهرام عندما كان مستقرا كحمامة بيضاء وديعة فى آخر شارع شريف باشا فى باب اللوق قبل أن ينتقل بترقية حضارية صحفية هيكلية إلى مبناه الضخم الفخيم فى شارع الجلاء.. عندما صاح فينا عبد الوهاب مطاوع مشيرا بإصبعه: عارفين الراجل اللى ماشى تايه عن الدنيا قدامنا ده..
قلنا فى صوت واحد: مين يعنى الخديوى إسماعيل؟

قال: لا.. ده بيرم التونسي.. تعالوا نقطع عليه حبل أشعاره وأغانيه..

وقفنا أمامه بغلاسة الشباب.. ليقف هو مضطرا صاحيا من سرحانه الطويل..

قلنا له: يا عمنا بيرم فيم أنت سارح الآن.. فى قصيدة جديدة أم أغنية لست الكل.. وست الكل لا يوجد غيرها.. انها أم كلثوم طبعا؟

فاق من سرحانه وقال لنا ضاحكا: أنتم مين بالصلاة على النبى..؟

قدمنا له أنفسنا وعزمناه على فنجان شاى فى مقهى الاكسيلسيور القريب.. ولكنه اعتذر بأدب شديد وقال لنا: سيبونى.. أنتم قطعتم عليَّ حبل أشعاري.. كنت هائما فى أغنية جديدة لأم كلثوم تغنيها فى فيلمها الجديد فاطمة.. عاوزين تسمعوها وكمان متلحنة كمان.. تعالوا بالليل فى قهوة الفيشاوى سوف ينتظرنا هناك زكريا أحمد الملحن اللوذعى هكذا قال عنه ـ حتبقى سهرة حلوة!

<><

لم نكذب خبرا وذهبنا ثلاثتنا لنجدهم هناك، فى مقهى الفيشاوى زمان عندما كان عمنا الفيشاوى الكبير صاحب المقهى يأتى إليها راكبا حصانه.. وعندما يترجل عنه ياخده السياس إلى مقره فى دكان خاص به داخل المقهى الشهير.. طبعا كل ده راح واندثر بعد أن أقاموا فندقا فى قلب المقهى واقتطعوا منه جزءا كبيرا..

ها هو عمنا الفيشاوى الكبير أمامنا يتصدر المجلس وأمامه شيشية حمى والعة ودخانها يتصاعد.. وإلى جواره جلس الملحن العظيم الذى لا يتكرر زكريا أحمد صاحب اللحن الشهير لأم كلثوم الذى لا أنساه أبدا: بقى يقولى وأنا أقوله.. وخلصنا الكلام كله.

وإلى يمينه جلس سارحا كعادته عمنا بيرم التونسى..

كان بيرم يقول: الورد جميل.. يرد عليه زكريا أحمد: جميل الورد.. ليكمل بيرم: إذا أهداه حبيب لحبيب.. ليكمل زكريا أحمد: يكون معناه وصاله قريب!

نصفق كلنا للكلام وللحن وللجمل التى لا تتكرر ولن تتكرر طبعا!

قال لنا بيرم يومها: الأغنية دى سوف تغنيها أم كلثوم فى فيلم فاطمة الذى يجرى الاعداد له هذه الأيام.. أيامها طبعا مش دلوقتى!

<><

سألت عمنا بيرم وعمنا زكريا أحمد: هل عاصرتما سيد درويش الذى أيقظ مصر فنا وجمالا وموسيقى وطبلا وزمرا وغناء؟

قالا فى صوت واحد: سيد درويش هو من أيقظ مصر من سبات قرون ظلام مضت من أيام الغزو العثمانلى عام 1517 ميلادية.. بعده عاشت مصر فى ظلام حضارى نحو خمسة قرون بحالها حتى جاء محمد على باشا باعث النهضة المصرية فأخرجها من سبات عميق!

وصفقنا كلنا للتحضر والتنور الفكرى لبيرم وزكريا أحمد وتأكدنا يومها أن مصر بخير وستظل دائما وأبدا بخير وسلام وأمان..

<><

تعالوا نواصل معا مشوارنا الحضارى فى حب مصر الذى وصل إلى قمته فى أعقاب ثورة 1919 التى كانت مصر تغنى وتتغنى بأغانى بيرم التونسى وألحان سيد درويش.. ولما كان الذى أمامى منهما الآن هو بيرم التونسي.. كاتب أغانى ثورة 1919.. فقد سألته يومها على ما أذكر وأتذكر: قل لنا يا مولانا كيف كانت رحلة الأغنية المصرية مع ثورة 1919؟

قال: يا عزيزى لقد كانت مصر فى أعقاب نجاح ثورة 1919 العظيمة تغنى وتتغنى بأغانى سيد درويش التى كتبتها أنا

الحلوة دى قامت تعجن فى الفجرية..

والديك بيدن كوكو كوكو فى الصبحية..

يلا بنا على باب الله يا صنايعية..

أو أغنية الموظفين التى كان الناس يغنونها فى العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين:

هز الهلال يا سيد.. كراماتك لأجل نعيد..

الموظف منا موش وش خناق ولا شومة..

لما يحمر عينه ولا يقوم له قومة..

حد الله ما بينا وبينك.. غير حب الوطن يا حكومة..

ولعل أكثر أغانى هذا العصر خلودا هى أغنية سيد درويش والتى تشدو بها فيروز والتى مازالت تحيا بيننا وهى أغنية:

زورونى كل سنة مرة.. حرام تنسونى بالمرة..

أنا عملت إيه فيكم.. تشاكونى وأشاكيكم..

…………

…………

القاعدة أيها السادة.. أن تحب مصر.. هكذا تعلمنا، وهكذا عشنا.. لم نقرأه فى صفحة الارشادات فى كراسات المدرسة، ولكننا ولدنا وخلقنا كى نحب مصر..

فمصر هى أمنا وضرعنا وزرعنا وزادنا وملاذنا وحضننا الدافئ.. ومن منا لا يحب حضن أمه..

يقبل يدها كل صباح.. ويسبح بجميلها ويتقبل بعين الرضا صالحات دعواتها.. ويتضرع إلى الله أن يطيل عمرها وعطائها وبحر حنانها.

القاعدة والمنطق أن نحب مصر أمنا.. كما كان المصرى قبل الزمان بزمان.. كان يحبها ويعشقها ويتيم بها عشقا وغراما..

وإذا لم تصدقوني.. تعالوا نقرأ ما كتبه المصرى أيام أن كان صانع الحضارة على جدران المعابد حبا وتيمنا وتدلها وغراما عن تراب مصر ونيل مصر وشمس مصر:

أيها النيل أنت شريان قلوبنا..

أنت واهب الحياة لسنابل الحنطة فى الحقول…

أنت راسم الفرحة على وجه الطفل الصغير..

يا عازف الناى تعالى تحت شجرة التوت..

غن لنا موالا فى حب النيل والنخيل..

مصر هى أمي.. هى ضرعى وزرعي..

ومن يغضب أمى أو يمسسها بسوء فالويل له..

<><

هذه دعوة أيها السادة كى يعود المصرى إلى أحضان أمه مصر.. فهى فى انتظاره فى شوق ولهفة لعودة الابن الغائب.. ولا نقول الابن الضال!

آخر أغنية ترددت فى سمعنا وقلبنا فى حب مصر.. وتكاد تكون طبق الأصل من أغنية سنوحى على شاطئ النيل قبل أربعين قرنا.. من الزمان.. غنتها الفنانة القديرة شادية وتقول كلماتها: التى كتبها الشاعر الغنائى مصطفى الضمرانى.

مصر هى أمي.. نيلها هو دمي..

شمسها فى سماري.. شكلها فى ملامحى..

حتى لونى قمحى.. لون خيرك يا مصر..

<><

أيها السادة:

ما الذى تغير؟

الوطن أم الإنسان؟

لم يتغير شئ

مصر هى مصر..

والمصرى هو المصري.. طال الزمان أو قصر!

<><

ولكن يطلع علينا كنور الصبح مصطفى صادق الرافعى بكلمات مصرية عبقرية ولحن رائع مع الموسيقار صفر على:

اسلمى يا مصر اننى الفدا… دى يدى إن مدت الدنيا يدا…

ويكفى أن هذا النشيد مازال حيا يرزق بيننا حتى يومنا هذا..

وجاءت حادثة دنشواى التى كانت مقدمة لثورة 1919.. لتفجر بركان الغضب.. ليقول أمير الشعراء أحمد شوقي:

يا دنشواى على رباك سلام.. ذهبت بأنس ربوعك الأيام.. يا ليت شعرى أفى البروج حمائم.. أم فى البروج منية وحمام!

وليقول شاعر النيل حافظ إبراهيم:

لننزع هذه الأكفان عنا.. ونبعث فى العوالم من جديد..

ولو أن كل شعراء الدنيا من أيام هوميروس وسوفوكليس حتى يومنا هذا.. كتبوا فى حب الأوطان.. لن يصلوا إلى ما وصل إليه أحمد شوقى عندما قال:

يا وطنى لقيتك بعد يأس.. كأنى قد لقيت بك الشبابا..

أدير إليك قبل البيت وجهي… إذا فهمت الشهادة والمثابا….

ويجلس أمير الشعراء هنا على القمة عندما يقول:

وطنى لو شغلت بالخلد عنه.. لنازعتنى إليه فى الخلد نفسي..

ويجلس على مرمى حجر منه حافظ إبراهيم عندما يقول فى حب مصر:

حولوا النيل واحجبوا الضوء عنا… واطمسوا النجم وأحرمونا النسيم

اننا لن نحيد عن عهد مصر.. أو ترونا فى الترب عظما رميما…

ويعود حافظ إبراهيم شاعر النيل والهم المصرى ليقول على لسان أم كلثوم:

اننى حرة كسرت قيودي…

رغم أنف العدا وقطعت قيدي

أترانى وقد طويت حياتي…

فى صراع لم أبلغ اليوم رشدي..

<><

ثم تنطلق الأقلام والقصائد والحناجر إلى هموم الوطن العربى كله.. عندما انتزع العالم عن عمد ومع سبق الإصرار والترصد فلسطين من بين أيدينا فى أكبر خديعة سياسية تاريخية فى تاريخ الأمم..

لينفعل الشاعر على محمود طه وينشد محمد عبد الوهاب:

أخى جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفدا

أنتركهم ينصبون العروبة مجـــد الأبــــوة والسؤددا

أخى قم إلى قبلة المشرقين لنحمى الكنيسة والمسجدا

وها هو عبد الوهاب وكأنه يعيش معنا حتى الساعة.. بعد الهجمة الأمريكية الشرسة على دمشق وبعد تمزيق سوريا إربا إربا حتى لم نعد نعرف شمالها من جنوبها.. الأطلال فيها أكثر من العمائر والخراب طائر أسود قبيح الخلقة ينعى للدنيا أمة سادت ثم بادت..

ها هو عبد الوهاب ينعى معنا هذا الخراب الذى حل بدمشق وكل سوريا وهجرة سكانها إلى بقاع العالم هربا من الإرهاب الأسود الذى أتى على الأخضر واليابس وكأنه قد سمع بالضربة الجوية الأمريكية الأخيرة ليغنى من كلمات شاعرنا العظيم أحمد شوقى:

سلام من صبا بردى أرق

ودمع لا يكفكف يا دمشق

وللأوطان فى دم كل حر

يد سلفت ودين مستحق

ولا يبنى الممالك كالضحايا

ولا يدنى الحقوق ولا يحق

وللحـــرية الحمــــراء باب

بكل يــــــــد مضرجـــة يـــــدق

<><

أيها السادة الحق لا يضيع..

والأحــرار لا يتوقفون

والأوطـــان لا تمـــوت أبـــدا

———————————————————-

 

>> أيها السادة:.. ما الذى تغير؟.. الوطن أم الإنسان؟ ..لم يتغير شىء .. مصر هى مصر..

والمصرى هو المصرى.. طال الزمان أو قصر! >>

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net
موقع الرسالة العربية