بقلم دكتورة / رانيا الوردى
أستاذ مساعد بقسم اللغه الألمانيه – كليه التربيه جامعه عين شمس
عضو الهيئه العلميه الاستشاريه بهيئه إنست الدوليه بفيينا الداعمه للحوار الثقافى القومى والعابر للقوميه منذ 2011 وحتى الآن
عضو هيئه تحرير مجله ترانس للعلوم الثقاقيه بفيينا منذ 2011 وحتى الآن
يعتبر الحب من الموضوعات الشائكه التى يثير الحديث عنها الحساسيه، ولا سيما إذا إقترن هذا الحديث بإجراء مقارنه عن مفهوم الحب بين الشرق والغرب. وتناول هذا الموضوع فى إطار حوار الثقافات يمكن أن يسهم فى زوال هذه الحساسيه. فالحوار الثقافى عن موضوع الحب يعد وسيله فعاله للحفاظ على الهويه الثقافيه للمجتمع، وخاصه إذا وضعنا فى الإعتبار أن ثقافه المجتمع تسهم إسهاما كبيرا فى تشكيل مفهوم الحب السائد فى المجتمع، وكما تسهم ثقافه المجتمع فى تشكيل مفهوم الحب السائد فى المجتمع، فإن تغيير هذه الثقافه يؤدى إلى تغيير مفهوم الحب. وهذا يقودنا إلى هدف هذا المقال وهو إلقاء الضؤ على التغيرات الثقافيه والمجتمعيه، التى طرأت على المجتمعات الأوروبيه فى القرن التاسع عشر، مما أدى إلى تغيير مفهوم الحب السائد فى هذه المجتمعات. هذا المفهوم الجديد للحب فى المجتمعات فى المجتمعات الغربيه، الذى ظهرت بداياته فى القرن التاسع عشر، وإستمر حتى وقتنا الراهن فى المجتمعات الغربيه، جعل مفهوم الحب فى المجتمعات الغربيه يختلف إختلافا جذريا عن موضوع الحب فى المجتمعات الشرقيه. ويأتى هذا المقال ليس من أجل الدعوه إلى مفهوم الحب السائد فى أوروبا ولكن من أجل التأكيد على إختلاف مفهوم الحب بين الشرق والغرب والتأكيد على أن هذا الإختلاف له مرجعيه ثقافيه يجب مناقشتها فى إطار حوار الثقافات. هذا الحوار الثقافى عن هذا الموضوع الشائك يسهم فى النهايه إلى تفهم الفكر الغربى مع التمسك بالهويه الثقافيه العربيه والتأكيد عليها.
وتتضح أهميه هذا الموضوع إذا ما وضعنا فى الإعتبار أن العالم فى الوقت الراهن يعيش عصر العولمه، حيث الإنفتاح على الثقافات الأخرى من خلال شبكات الإنترنت والفضائيات. وإنفتاح فئات المجتمع المختلفه ولاسيما الشباب على الثقافات الأخرى دون قيام المثقفين بدورهم فى إداره الحوار الثقافى بإستناره فكريه يجعل فئات المجتمع المختلفه ولاسيما الشباب عرضه لضياع الهويه الثقافيه. وإختيار هذا الموضوع ليكون محورا يدور حوله الحوار الثقافى بين الشرق والغرب يرجع إلى أن هذا الموضوع يلاقى إهتماما شديدا ولاسيما من جانب فئه الشباب وهى الأكثر عرضه لضياع الهويه الثقافيه.
المتأمل للأخلاقيات الجنسيه فى عصر التحولات فى القرن التاسع عشر فى أوروبا، يتضح لديه كيف كانت الأخلاقيات الجنسيه تمر بعمليه تحول وكيف أن عمليه التحول لم تتم بالصوره الكامله، حيث تواجدت الأخلاقيات الجنسيه التقليديه التى دعمتها الطبقه الوسطى والتى ساندها عالم النفس الشهير فى هذه الفتره ريتشارد فون كرافت إبنج إلى جانب الأخلاقيات الجنسيه الحديثه والتى مهد إليها سيجموند فرويد والتى تعارضت مع الأخلاقيات الجنسيه التى تبنتها الطبقه الوسطى.
فى حين تبنت رانيا الوردى من مصر فى دارستها للماجستير حول هذا الموضوع والمنشوره بدار نشر تكتوم فى ألمانيا الرأى القائل بأن تحول المجتمع الأوروبى فى القرن التاسع عشر من مجتمع يؤمن بوجود الله إلى مجتمع ينكر وجوده، ضعف القيم المجتمعيه، الدعوه إلى فكره الحريه والإستمتاع باللحظه تمثل الأسباب الجوهريه وراء تحول مفهوم الحب خلال القرن التاسع عشر فى أوروبا، تبنى الباحث كيوم سن شونج من كوريا فى رسالته للدكتوراه حول هذا الموضوع الرأى القائل أن فشل مؤسسه الزواج السائده فى الطبقه الوسطى فى أوروبا فى القرن التاسع عشر فى ربط الحب بالزواج هو السبب الرئيسى المسئول عن إنتشار الحب الحر خلال عصر التحولات ومن ثم تحول مفهوم الحب والأخلاق الجنسيه خلال هذه الفتره. ويعتقد شونج أن هذا النوع من الحب لا يجب النظر إليه على أنه علاقه عابره تقوم أساسا على الإبدال المستمر لحبيب محل حبيب آخر ولكن النظر إليه على أنه حياه مشتركه بين رجل وإمرأه لا تخضع للقيود المجتمعيه والقضائيه ولكنها تقوم فقط على الحب.
بشكل عام يلقى هذا المقال الضؤ على حقيقه أن الثقافه المجتمعيه تلعب دورا جوهريا فى تشكيل مفهوم الحب لدى الفرد وأن تغير هذه الثقافه يؤدى الى تغيير مفهوم الحب لدى الفرد. إدراك هذه الحقيقه سوف يفتح الطريق إلى دراسه الحب فى إطار نظريه حوار الثقافات. والجدير بالذكر هنا أن الجامعات المصريه ووسائل الإعلام المسموعه والمقرؤه والمرئيه يمكن أن تدفع عجله هذا الحوار إلى الأمام بشكل يضمن من ناحيه المحافظه على الهويه الثقافيه للمجتمع المصرى والعربى والتى تتشكل وفقها مفهوم الحب السائد فى هذا المجتمع وهذه المجتمعات، كما يضمن من ناحيه أخرى الإنفتاح الواعى المستنير على الثقافات الأخرى بما يتيح فهم مفهوم الحب السائد فى هذه المجتمعات وتفهم دور الثقافه المجتمعيه فى تشكيل مفهوم الحب السائد فى هذه المجتمعات. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل ستقوم الجامعات المصريه والعربيه والإعلام بمختلف أشكاله فى مصر والوطن العربى بالدور السالف ذكره أم أننا سنغفل أداء هذا الدور فى عصر العولمه مما يؤدى بنا وبأبنائنا وبشبابنا إلى الذوبان فى الثقافات الأخرى؟؟؟؟؟؟؟
تنويه: حصلت كاتبه المقال -د.رانيا الوردى – عام 2004 على درجه الماجستير وكان موضوع الرساله يدور حول تحول مفهوم الحب السائد فى أوروبا فى القرن التاسع عشر مع التركيز على تحليل الأعمال الأدبيه للكاتب النمساوى أرتور شنيتسلر. وقد أشرف على هذه الرساله آنذاك أ.د. مشيره سويلم رئيسه قسم اللغه الألمانيه بكليه التربيه -جامعه عين شمس فى تلك الفتره و د. ماركوس فيشر -أستاذ مساعد زائر ألمانى من جامعه شتوتجارت. وقد تم الإحتفاظ بنسخ اصليه من رساله الماجستير عام 2007 فى المكتبه القوميه لجمهوريه النمسا، مكتبه دار الأدباء النمساويين ومكتبه الأرشيف الأدبى مارباخ بألمانيا وهو من أعرق الأرشيفات الأدبيه على المستوى الدولى، ومكتبه المركز الثقافى النمساوى بالقاهره ومكتبه المركز الثقافى الألمانى بالقاهره. وفى عام 2007 قامت كاتبه المقال بإلقاء ندوه فى المركز الثقافى الألمانى بالقاهره عن مفهوم الحب فى إطار حوار الثقافات بغيه دعم الحوار الثقافى الشرقى الغربى مع التأكيد المستنير على الهويه الثقافيه المصريه والعربيه. عام 2010 قامت كاتبه المقال -د. رانيا الوردى – بالإشتراك فى مؤتمر دولى نظمته كليه الألسن جامعه عين شمس وقامت بإلقاء بحث عن مفهوم الحب فى إطار حوار الثقافات كوسيله للحفاظ على الهويه الثقافيه للمجتمع. وقد إستهدفت كاتبه المقال من إلقاء هذا البحث فى المؤتمر الدولى إثاره هذا الموضوع بين المثقفين المصريين والعرب ليدعموا بأبحاثهم العلميه المستنيره الحوار الثقافى المستنير بين الشرق والغرب ومن ثم يدعمون الحفاظ المستنير على الهويه الثقافيه المصريه والعربيه فى عصر العولمه وهو عصر التحولات الكبرى على المستوى الدولى. وما دفع كاتبه المقال إلى نشر هذا المقال فى هذا التوقيت هو ظهور أحداث غير مألوفه على المجتمع المصرى والعربى من بينها مشروع ليلى بالتجمع الخامس. فأرادت كاتبه المقال وضع هذه الأحداث فى مصر والوطن العربى فى إطار الحوار الثقافى والعلمى المستنير بما يدعم الحوار الثقافى المستنير بين الشرق والغرب وبما يدعم من ناحيه أخرى الحفاظ المستنير على الهويه الثقافيه المصريه والعربيه والتأكيد عليها فى عصر العولمه حيث التحولات الكبرى على المستوى الدولى.