د.السيد رشاد برى
كنا مجموعة من الأصدقاء هبطنا معا على “كوكب الشعر”وجمعت بيننا (أحلام صغيرة ) – تجاهد لتصعد إلى حيز المعلوم –فى أن نصبح يوما (شعراء كبارا ).
ولما كانت لقاءاتنا طوال العام مكبلة بظروف الدراسة حينا,وقانون التوافيق والتباديل حينا أخر ,أو تخضع للمصادفات البحتة غالبا ,فقد كنا ننتظر فصل الصيف –حيث الإجازة-بلهفة لنقيم أمسياتنا فى موعد مقدس , مساء كل خميس يقودنا أكبرنا الشاعر حسين محمد منصور , ومعه خليط من الشعراء الشباب : حلمى الخياط وأيمن الحمال , وعماد شافع, وبكرى الجبالى , ومحى الدين طلب…وأنا إلى منزل صديقنا الشاعر ناصر موسى فى قرية عرب الصبحة على أطراف مدينة سوهاج , حيث نقضى الأمسية بطولها فى مساجلات ومباريات شعرية يحيط بنا نخبة من أبناء القرية محبى الشعر , الذين يضفون-بتشجعيهم لهذا واستحسانهم لذاك- على أرواحناأحاسيس حقلية لم يلوث اخضرارها أسفلت المدينة , ولما كنت ضعيف الذاكرة من ناحية وتوجهاتى الشعرية حداثية –عادة لا تعجب حضور تلك الأمسيات – من ناحية أخرى , فكان حظى من الاستحسان يكاد لايذكر , الأمر الذى أثار حفيظتى الشعرية , ودفعنى إلى تدبير مؤامرة لتحقيق انتصار ساحق يعوض حرمانى من التشجيع طوال الأمسيات الصيفية السابقة واخترت الأمسية الأخيرة موعدا لتنفيذ مخططى , والتى كانت تقام عادة فى منتصف اكتوبر كختام لموسمنا الصيفى الشعرى , قبل بدء الدراسة بأيام .
جاءت الأمسية الأخيرة , وطلبت إدارتها لأضمن أسلوب ونوعية المساجلات , وفجرت قنبلتى , التى ظللت طوال أسبوعين كاملين أجهز لها بالغوص فى(حياةالحيوان)للدميرى ,و(تهذيب الحيوان)لعبد السلام هارون , و(كنوزالمعرفة) للدكتور أيمن أبو الروس , وكل ما لدى من ذخائر ومراجع , وأعلنتها مدوية : فلتكن مساجلاتنا الليلة من خلال قصائد أبطالها أفراد من مملكة الحيوان .
ران الصمت على الرفاق , وبدا من قسماتهم أنهم أخذوا على غرة , ولم يصمدوا كثيرا فى مساجلات الأمسية , بينما ظللت متوهجا طوالها , نشوانا بإستحسان (الجماهير )ودهشة (الرفاق) وكأنهم يسمعون منى ما لم يخطر على قلب شاعر , وأنا أطلق فراشاتى الشعرية متنقلا من ورقاء وضاح اليمن وذئب الفرزدق إلى أدهم عنترة وشاة أم الورد وصولا إلى حمر الشماخ الوحشية وغزلان أبو يوسف الجوهرى , وخفافيش أبو الشمقمق .
وكان الانتصار ساحقا , لكننى أعترف بأن الفضل لم يكن لى من قريب أو بعيد , بل هو لذلك التقدير الذى يكنه الشعراء
العرب لكانئات مملكة الحيوانات التى جعلوا كثيرا من أفرادها أبطالا لأشعارهم وأمثالهم وحكاياتهم وأيامهم الخالدة , بل إن بعضهم بالغ فى تكريم الحيوان وتفضيله على كثير من البشر أحيانا .