سكينة فؤاد تكتب
السؤال الذى جعلته عنوانا لمقالى لا أقصد به السطور الأولى، فليس خافيا المحاولات الآثمة التى تحاول بها الجماعة الإرهابية استعادة سياسات الديمقراطيين التى مارسها الرئيس الأمريكى الأسبق أوباما لاستخدام الإرهابيين والجماعات المتطرفة التى تجعل الإسلام هوية لها، واستعدادهم للعمل مطية وأذنابا وعملاء لمن يمكنهم من أهدافهم الشيطانية، وعلى رأسها هدم دولة 30 / 6 التى أنقذت مصر منهم ومن سنة كبيسة ومن تحويلها كما قال واحد من قياداتهم إلى بحيرة دم بحجم وطن لا قدر الله ولا حقق لهم مأربا من مآربهم الشيطانية.
ليس مدهشا ما تحاوله الجماعة الإرهابية الآن مع الإدارة الأمريكية الجديدة ولا ان تجدد به هذه الإدارة تاريخها مع الجماعات الإرهابية والمتطرفة، ولكن المدهش حقيقة هو غياب دور ومسئولية المؤسسات المنوط بها الرد وتفنيد المزاعم والافتراءات وإبراز الحقائق وتصحيح ما يستحق من مسارات وألا نكتفى بما اعتدناه من التحدث الى أنفسنا … أتحدث عن هيئة الاستعلامات والملحقين الثقافيين والقامات السياسية والوطنية والثقافية القادرة على التواصل والتأثير مع النواب والشيوخ وسائر المؤسسات الفاعلة فى أمريكا وبريطانيا وحيث يتم الزرع الشيطانى ضد مصر.
مثل أغلب المصريين الذين بين ما يحدث من مشروعات كبرى لتخفيف آثار سنوات طويلة وثقيلة من الفساد والإفساد والإهمال يسعدهم بالتحديد مشروعان من أهم ما حدث فى تاريخ مصر الحديث .. أولهما مكافحة جريمة تجريف أخصب أراضينا وإيقاف البناء فوقها.
هذه المؤامرة التى كنت أراها لا تقل خطورة عما فعله الاستعمار بنا والتى تستبدل استعمار الغزاة للأرض باستعمار البناء والطوب والاسمنت بدلا من الزرع والخير واستقواء المصريين بأمن غذائى من زرع أيديهم، هذه المؤامرة التى خططت للقضاء على آخر شبر صالح للزراعة اذا ظلت معدلات جريمة البناء تتم بالسرعات التى كانت تحدث بها كما أعلنت الأقمار الصناعية فى تصريحات للدكتور فاروق الباز، وقد هددت أزمة كورونا بتفاقم أزمة الغذاء العالمية وخاصة للدول المستوردة للغذاء وكما فعلت روسيا مؤخرا فى رفع أسعار تصدير القمح الذى مازلنا للأسف من أوائل مستورديه وبما يجعل تباهى وزارة الزراعة فى أن تكون على رأس مصدرى البرتقال، الأفضل منه أن تباهى بالاقتراب من الاكتفاء من زراعة أقماحنا والتى كنا نستطيع ان نحققها كما أثبت من خلال مئات المقالات التى كتبتها فى الأهرام.
وتستكمل ثورة الحفاظ على ما تبقى من أراضينا الزراعية بمشروع قومى لا يقل أهمية فى تاريخنا الحديث .. لقد عشنا عشرات السنوات الماضية تباع لنا أوهام مشروعات تطوير قرانا وإنفاق مليارات المعونات وأموال الدعم على إعداد الريف بالبنية التحتية من صرف صحى ومياه شرب وكهرباء … وظلت هذه المشروعات مادة لدعاية وادعاءات كاذبة ولم يكن خافيا كيف نهبت هذه الأموال وتضخمت ثروات وكبرت واستقوت كيانات، وظل الريف يئن ويتوجع وتتراجع مستويات الحياة فيه حتى أصبح طاردا لأبنائه يهجرون قراهم ويبحثون عن فرص عيش تخلو منها مدن كبيرة ضاقت بأبنائها ويسكنون هوامشها ومناطقها العشوائية.
وإذا كان بعث الحياة الآدمية والإنسانية والإحياء المتكامل لـ 4500 قرية والآلاف من توابعها من الكفور والتجمعات السكانية تحديا جديدا وكبيرا تحاول الدولة أن توفر له جميع مقومات النجاح، فيجب ألا ينسينا الانتباه إلى وقائع مؤسفة تحدث فى مناطق ريفية كثيرة تحيط بالمدن الكبرى وفى مقدمتها القاهرة والجيزة، وفى ظل الجهود الجادة للدولة لزيادة مساحة الأرض المزروعة والاضطرار لزراعة الصحراء رغم عظم التكاليف وجهودها أيضا لإيقاف جرائم البناء فوق أخصب أراضينا كيف نفهم أو نفسر أو يكون مقبولا من جرائم لا تقل خطورة تحدث لأراض وحدائق مزروعة بالفعل بنباتات نادرة ونخيل وأشجار بحثية وتجريفها وتقطيعها لبناء مجمعات سكنية.
أبناء مدينة الإسكندرية الذين كتبوا لى عن أمثلة متعددة لهذه الكارثة فى مقدمتها أرض بحوث الصباحية فى سموحة وأنه بالفعل وبعد تجريف كل ما كان فيها من زراعات وأشجار نادرة بدأ نشر إعلانات بالصحف تقول سارع إلى إمتلاك شقتك كاملة التشطيب وبالمطبخ والمكيفات بمقدم 270 ألف جنيه وتقسيط يصل إلى 14 سنة..!! اسم المشروع معى لمن يهمه الأمر ولا أريد كتابته حتى لا يعتبر إعلانا عنه! أيضا تم هدم مبنى بحوث الأرز فى سموحة ومشروع العشرين مليون بيضة لتربية وإكثار الثروة الداجنة وإمداد سكان الإسكندرية بمنتجاتها من الفراخ والبيض أيضا جرفت الأرض وهدم ما كان فيها من عنابر التربية والإكثار وفى الوقت الذى مازلنا فيه من أوائل المستوردين للقمح وتحاول مراكز البحوث الزراعية زراعة أصناف جديدة عالية الجودة والإنتاج وقادرة على احتمال تغير الظروف المناخية والمائية التى تمر بمصر فى الفترة الأخيرة على القمح المزروع، وسط هذه الظروف الصعبة يتم إعدام محطة بحوث كفر الحمام بالشرقية وإعدام محصول القمح المزروع فى 55 فدانا منها 20 فدانا لإنتاج تقاوى من أفضل السلالات والتى فشلت جميع محاولات إعدامها.
أذكر أننى أثناء كتابتى عن قضية القمح فى الحملة الطويلة التى أثبت فيها من خلال علماء وخبراء إمكانية اقتراب مصر من حدود اكتفائها من إنتاج فلاحينا، وكشفت الحملة الصحفية عن مخططات داخلية وخارجية لمنع مصر من تحقيق الاكتفاء من لقمة عيشها ومصدر من أهم مصادر أمنها القومى والحيوى والصحى والغذائى، وما أعلنه كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى الأسبق أن بلاده تراقب بالأقمار الصناعية مساحات زراعة القمح فى العالم وأن زراعة القمح قضية سياسية وليست قضية زراعية! استطاعت هذه المخططات أن تنفذ وتحرم مصر من قدرتها على الاقتراب من الاكتفاء الذاتى من محاصيلها الإستراتيجية وعلى رأسها القمح قبل ثورة 25 يناير ..
فماذا بعد ثورتين استرد بها المصريون إرادتهم وسيادتهم على أرضهم وقرارهم السياسى وماذا بعد ما تشهده السنوات الأخيرة من جهود لإنقاذ ما تبقى من أخصب أراضينا الزراعية والذى للأسف مازال متواصلا بشهادة برج كرداسة والأبراج حوله المقامة كلها فوق أراض زراعية؟! كيف نفسر أو نفهم ما أشرت إليه فى النماذج السابقة لتجريف أراض مزروعة وحدائق بحثية واقتلاع زراعتها وأشجارها النادرة وإعدام محصول قمح محطة بحوث كفر الحمام بالشرقية ومزرعة كلية الزراعة بالإسكندرية التى بنى فوقها مبنى الجامعة الجديدة .. كيف يتفق هدم وتجريف وإعدام مثل هذه المزارع والحدائق واستبدالها بتجمعات سكنية هل لقلة الاحوزة العمرانية التى تتسع لبناء مئات من هذه المشروعات فى بلد نسكن ما لا يتجاوز 6 أو 7 % من مساحته ؟! ومن هم الذين يتحدون جهود الدولة لزيادة المساحة المزروعة حتى بالخروج لزراعة الصحراء ومواصلة تهديد أمن مصر الحيوى والقومى والغذائى واستقلال وسياسة قرارها السياسى والاقتصادى.