بقلم – هدي الحسيني
الدكتور فادي قمير رئيس البرنامج الهيدرولوجي الدولي في اليونيسكو الذي انتخب قبل سنتين لهذا المشروع المائي الضخم في العالم، غائص في المشكلات الأمنية التي يواجهها العالم، وواضع مصطلح «الدبلوماسية الهيدرولوجية» لإرساء الثقافة المائية بين الأحواض المشتركة وإرساء السلام. يعتمد المصطلح على 4 عناصر؛ الأول إيجاد قاعدة معلومات مشتركة لتقاسمها بين البلدان المتشاطئة، الثاني إيجاد قاعدة قانونية مشتركة للاقتسام والاستعمال العادل للمياه بين الدول المتشاطئة وعدم التأثير على الدول الواقعة أسفل الحوض، الثالث إرساء حوض وهيئة حوض مشترك بين الدول، والرابع دعم العمل على ما يسميه بالإنجليزية «Nexus» أي التلازم بين المياه والطاقة والغذاء.
المعادلة التي يشدد عليها قمير هي أولاً، التعاون بين الدول التي تشترك في الأنهار قضية حتمية وليست رفاهية. ويجب أن يرتكز هذا التعاون على مبادئ وأعراف القانون الدولي بحيث تؤخذ مصالح جميع الدول في الاعتبار. ثانياً، لن يتم التعاون عبر الحدود من دون إرادة سياسية توجه الجميع، ورغبة راسخة في الاستخدام العادل والمعقول لموارد المياه المشتركة، لأن مبدأ السيادة المطلقة الذي تطالب به دول منشأ معينة لا يمكن أن يقبل به المجتمع الدولي. ثالثاً، يأسف لعدم تمكن مصر والسودان وإثيوبيا من التوصل إلى اتفاق. رابعاً، يأمل أن تُستأنف المفاوضات بشأن السد فوراً وقبل بدء الملء الثاني وبمساعدة الأطراف التي اقترحتها مصر والسودان من أجل التوصل إلى اتفاق ملزم قانوناً للجميع فيما يتعلق بملء وتشغيل السد. خامساً، عدم التوصل إلى اتفاق سيؤدي إلى وضع خطير في المنطقة.
المتعارف عليه دولياً أن ما فعله قمير فيما يخص المياه العابرة للحدود لم يفعله أحد قبله. يرى أنه لا حل في الأزمة الحالية إلا برضوخ الإثيوبيين، وما يقومون به الآن هو للاستغلال الداخلي، وبرأيه أن هذا سدّ سياسي أكثر منه سداً هندسياً، إذ إن رئيس الوزراء آبي أحمد يستعد للانتخابات. وأسأله من يستطيع أن يهدد إثيوبيا؟ يجيب: الأميركيون فقط، هم الآن يسمحون لإثيوبيا ببعض المراوغة، لكن تصريح الرئيس السيسي الأسبوع الماضي حدد قواعد اللعبة «لا مجال للمزاح بعد اليوم»، وهذا دفع الإثيوبيين يوم الأحد الماضي إلى الإعلان عن استعدادهم لمشاركة بيانات المياه مع مصر والسودان. يكشف قمير أن المشكلة هي أن السودانيين لجأوا إلى «مبدأ هرمان» وهذا يعني السيادة على المياه، وهذا يتناقض مع كل الاتفاقيات الدولية. لكن يبقى أن الإثيوبيين لا يتمتعون بهامش مناورات واسع، لأن النيل الأزرق ليس ملكهم، بل تملكه 3 بلدان، وتملك مصر كثيراً من الوسائل القوية لزعزعة استقرار المنطقة. لا يتوقف قمير كثيراً عند الموقف الأوغندي، إذ إن مصر اتفقت معها، كما تفعل مع دول أخرى، لمحاربة الإرهاب و«الإخوان المسلمين» و«داعش». ويمر النيل الأبيض في أوغندا كما في بقية الدول الأفريقية، أما النيل الأزرق والأبيض فيلتقيان في الخرطوم، ومبدئياً مصر هي المتلقي. ويؤكد أن القانون الدولي يحتم على الدول المتشاطئة أن تتعاون، ولا حل للمشكلة إلا إذا اعتمدوا على «المتلازمات الثلاث»؛ المياه والطاقة والغذاء. وحسب قمير، فإن الدول الثلاث؛ إثيوبيا ومصر والسودان في حاجة إلى غذاء، مصر أمّنت نفسها بالطاقة، عكس وضع إثيوبيا التي كي تؤمن نفسها بالطاقة تريد أن تبيعها إلى بلدان أفريقيا التي يمر بها النيل الأبيض كي توفر الأموال لتطوير وضعها. أما السودان فيتوفر فيه الغذاء.