كتب / عصام على
كثيرون قضوا حياتهم فى محاربة الحق والدعوة للباطل ومحاربة الفضيلة وتسويق الرزيلة وبلغ المجون والمراهقة الفكرية وحب الظهور بعضهم لإنكار عقائد الناس وتسفيه الدين والعقيدة والتطاول على الأنبياء والكتب والرسالات بل والإنتقاص من الذات الإلهية وإستغلال المواهب التى منحهم الله إياها فى تغييب وعى العوام وقليلى الإدراك -وهم أغلب الناس- والتلبيس عليهم وإثارة الشبهات فى قلوبهم وهو ما يهدد السلم الاجتماعي فى المجتمع وينذر بخطر جسيم يهدد المجتمع بالتفسخ وفقدان بوصلته وهويته وأدوات قياسه المميزة فيصير كالأعمى لا يدرك أين تطأ قدمه ولا ما تصل إليه يداه فيعيش فى تيه وتمزق بين عقيدة يؤمن بها وشبهات وفتن تعصف بيقينه فلا يكاد يكون بين المؤمنين الثابتين ولا بين الكفار الملحدين.
والعجيب أن أغلبية من فعلوا بالناس ذلك أو جزء منه قد رُصدت توبتهم وسُجلت عودتهم بأشعار ومواقف وشهادة فرجعوا أمام واعظ الموت إلى الحق المتين وندموا على السفه الفكرى بعد أن أدركوا أن ما نذروا له حياتهم كان فخا نصبه الشيطان لهم فعاشوا حياتهم كما جاء فى سورة الكهف “قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا”.
طه حسين أنكر وطعن فى مرحلة أولية من حياته فى الثوابت ولما أمتد به العمر كانت له مواقف تشى بتغير ما جاء فى كتابه “الأدب الجاهلى” كما زار الأراضى المقدسة وتعلق بأستار الكعبة وبكى فى أماكن شهدت أحداثا مفصلية فى حياة المصطفى عليه السلام.
ونجيب محفوظ الذى ألف “أولاد حارتنا” التى نظر لها البعض على أنها قصة خارجة عن الضوابط الإسلامية وبها مخالفات شرعية هو نفسه أشترط فى أخريات حياته موافقة الأزهر الشريف لنشرها.
والفيلسوف المصرى “زكى نجيب محمود” كان يرى الإسلام ظرفا مغلقا أتفق الناس أنه يحوى شيئا عظيما فلما فتحوه وجدوه خال من كل شيء – وحاش لله – فلما تخطى المراهقة الفكرية ونشوة التمرد ووصل لمرحلة متقدمة من العمر قرر أن يدرس الإسلام ويخبر أعماقه وخصص لذلك عشر سنوات أنتهت حسب قوله دون أن يغادر شاطيء الدين الحنيف.
وأبو نواس الشاعر المعروف الموهوب الذى عاش للمتعة واللذة والمجون والخلاعة فلما جاءه اليقين أنشد قائلا:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن فمن الذى يدعو ويرجو المجرم
والحجاج بن يوسف الثقفى الذى عرف أنه جبار قتل الالآف -رغم أننا لا ننكر أياد بيضاء له- فلما حان وقت الإحتضار قال “رب إن العباد أيأسوني ورجائي لك الفداة عظيم”.
سير فرنسيس نيوبرت ( رئيس نادي الملحدين البريطانيين) قال لمن حول سريره وقت موته :
” لاتقولوا لى لايوجد إله فأنا الآن في حضرته ولاتقولوا لي لايوجد جهنم فأنا الآن أحس بأني أنزلق فيها , تعسا , وفروا كلامكم فأنا الآن أضيع إنها النار التي لوعشت ألف سنة لكذبت بها ولو مضت ملايين السنين لما تخلصت من عذابها آه آه إنها النار” .
فولتير ( الفيلسوف الفرنسي الملحد مات عام 1777) موجها كلامه للطبيب المعالج فوشين :
” لقد أهملني الرب والناس وسأعطيك نصف ما عندي إذا أبقيتني حيا لستة أشهر , أنا ميت وسأذهب إلى الجحيم “.
وهناك كثير من الفنانين عاشوا حياتهم طولا وعرضا وأنكروا وتمردوا وتجرءوا وفى النهاية توقفوا وعادوا ومنهم من غير حياته من النقيض إلى النقيض.
وفى الأخير الله –سبحانه- هو من يحاسب العباد والقطع للمعين بجنة أو نار لا يكون إلا بنص قطعى الثبوت والدلالة وكل ما يجوز لنا هو الحكم بالعموميات أما إسقاط النصوص على الأفراد فليس من حقنا ولا من قدراتنا والتألى على الله جرم عظيم.