بقلم الأستاذة الدكتورة /ألهام سيف الدولة حمدان
خيط رفيع يفصل بين الجرأة والوقاحة، والبون شاسع بين الجرأة المهذبة والوقاحة المنفلتة، ويظهر هذا جليًا فى السبُل التى تتبعها المعارضة السياسية في كافة بلدان العالم الحر، وتتضح أبعادها من خلال ماتنتهجه هذه الدول من النظم المتعارف عليها في حياة الشعوب .
وظاهرة اختلاف الطبيعة البشرية في طرق التفكير؛ كانت ومازالت عاملاً مهمًا في أثناء الأزمات والصراعات التي تدور حول ( السلطة )، وبالنظر إلى تصنيف النظم السياسية ـ خاصة فى دول العالم الثالث ـ سنجد أن لكل نظام سياسي مجموعة من القيم والتقاليد، فهناك النظام الشمولي الذي يتميز عادة بنظام الحزب الواحد، وتتكون من داخله أجنحة المعارضة الملتزمة بأهداف وتوجهات الحزب؛ طبقًا للمنهج المتبع لأهدافه، وهي ماتسمي بـ “أيديولوجية الحزب”،وتتم تربية كوادره عبر التنشئة السياسية والاجتماعية؛ بدءًا من مرحلة الطفولة؛ وصولاً إلى أعلى المستويات الدراسية، وهذا يتم لصالح النظام المتبع، لضمان فرض السيطرة والتوجيه الصحيح نحو الأهداف التي تعمل الدولة علي رسوخها وتحققها، وتأكيدًا للاستقرار والتنمية في اتجاه ماتتطلبه .
ولكن لماذا المعارضة ؟ ولماذا تظهر ثقافة المعارضة ؟ وكيف تكون ؟
الدافع إلى ظهور قوى المعارضة؛ يرتبط بنشوء حالة من الاستفزاز والقلق الاجتماعي والسياسي، الأمر الذى ينتهي بشعور الإنسان بالتذمر بينه وبين نفسه داخليًا، أو إعلان هذا التذمر على الساحة في شكل تجمعات أو مظاهرات، أو اللجوء إلى تكوين مجموعات تتبنى عددًا من المبادىء السامية؛ هدفها تعريف بقية أفراد المجتمع بما يرونه تناقضًا بين السلطة والشعب، مع ضرورة طرح الحلول والبدائل لترميم مايرونه ـ في رأيهم ـ شروخًا فى جدار النظام السياسي وقراراته.
والمعارضة البناءة في كل دول العالم؛ هي ثقافة الاختلاف ـ لا الخلاف ـ طالما تعرض وجهة نظرها عن طريق القنوات الشرعية؛ وبالأسلوب المهذب الواجب اتباعه في المحافل السياسية، وليس بالضرورة أن أختلف مع السلطة دومًا، أو أكون متفقًا معها على طول الخط ،حتى إن كنت من مناصريها، ويجب على الأطراف المتحاورة أو المتنازعة أن تلتقي على كلمة سواء في منتصف الطريق، للوصول إلى وضع الحلول المُثلي لمشاكل المجتمع، بدلاً من أن يذهب كل طرف في طريق ؛ وهو اتجاه تتبناه بعض قوى المعارضة بهدف محاولة استمالة غالبية الجماهير إلى جانبها للوصول بكل الوسائل التنافسية إلى مقعد السلطة، فالمعارضة تكون بناءة؛ عندما يكون سقفها النظام وحدودها مصلحة الوطن، طالما كانت في إطار ما حدده دستور الدولة؛ والإيمان بأن مطالبات الإصلاح ليست مطلبًا ترفيهيًا؛ بل مطلبًا أساسيًا لخدمة القيم العليا التى تؤمن بحرية الإنسان في العيش الكريم .
وفي الحقيقة فإن وجود فصائل المعارضة ضرورة كقيمة سياسية ديمقراطية؛ من أجل تقويم عمل الحكومة فيما لو شابها بعض الإخفاقات أو القصور في بعض القوانين التي تمس احتياجات المواطن -كما ذكرنا-، وهنا يبرز دورالمعارضة الوطنية المعتدلة في المراقبة والمساءلة؛ فهي ليست لتأجيج حمَّى الصراع المجتمعي من أجل البقاء على الساحة؛ بل لابد أن تنافس بشرف وموضوعية لخدمة الصالح العام ، فالمعارضة الموضوعية البناءة؛ تعبر عن سنن الاختلاف على أشياء كثيرة من أمور الحياة، وليست المعارضة لمجرد الحظوة بلقب معارض، وإلا اندرج هذا الشخص ضمن قوائم المرضى النفسيين !
وقديمًا قال العجوز الداهية البريطاني “ونستون تشرشل” رئيس وزراء انجلترا قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية :”حين تصمت النسور، تبدأ الببغاوات بالثرثرة” !! ؛ وهي الثرثرة المقيتة التي لاتتعدى مضامين”المقاوحة” أي المكابرة في الباطل بلا وجه حق ولا سند ولا دليل، سوى الصوت العالي و”الجعجعة” المقيتة بلا طحن ! وكان “تشرشل” بهذه الكلمات الحادة؛ يقصد شراذم المعارضة التى ثارت في وجهه تطالبه بالانصياع لإنذار “أدولف هتلر” الذى قال له : “لا نريد محاربتك، نحن نريد استسلامك”، ولم يأبه للمعارضة المغرضة ولم يستسلم؛ لأنه كان يعرف تمامًا الطريق الصحيح لصالح بلاده، وكان النصر حليف انجلترا خلال الحرب .
ويكون شاغلنا الشاغل منصباً على الاعتراف والتسليم بمواقف المعارضة الإيجابية؛ حين ترى بعينين مفتوحتين الأعمال التي تسهم في إعلاء شأن الوطن والمواطن الذى قامت مؤسسات الدولة من أجل سعادته ورفاهيته، وضمان الحد الأدنى الآدمى لحياته، أما المعارضة الهدامة فهي التي ترى بعين مصلحتها فقط وتركز عليها، وتستغلها لصالح توجهات زعمائها للوصول إلى السلطة والحكم؛ باستخدام الأساليب الميكافيللية التي تؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة !
وأخيرًا .. يبقى الإحساس الجمعي فى الشارع السياسي؛ هو الحكم والفيصل بين جميع القوى الموجودة على الساحة ؛ ويستطيع بفطرته التقييم بين الفصائل التي تعمل للصالح العام ؛ وبين المتسلقين على حبال بعض المصاعب التي قد تشوب المجتمع لأي سبب من الأسباب . وهنا تأتي أهمية التربية السياسية السليمة للأجيال الصاعدة؛ والتعريف والتلقين لأسس المبادىء الوطنية السامية التي تخدم بكل الوطنية توجهات الدولة، لأنهم الأيادي التي ستحمل راية القيادة فى مستقبل الأوطان، وحتى لايكونوا لقمة سائغة في فم المعارضة المغرضة التي لاهم لها سوى الوصول بكل الوسائل إلى سدة السلطة …ترى..متي يكف معارضونا عن ثرثرة الببغاوات ؟!
أستاذ العلوم اللغوية ـ أكاديمية الفنون