بقلم/ يامنة بن راضي
لا شيء أشد إيلاما وقسوة على المرء من أن تختطف أحلامه البسيطة من قبل أبناء جلدته وعشيرته وفي رابعة النهار، فبدل أن يستقبل الشعب الجزائري صباحاته الندية مترنما مبتهجا بآمانيه، يستفيق بعد ليل حالك طويل ثملا باليأس يعدد خيباته الواحدة تلو الأخرى غير مصدق انها خرجت من رحم الوطن الغالي. وبينما يستمر جبابرة الجزائر في مص دماء البسطاء وأحلام الضعفاء وجعلها وقودا لعيشهم المخملي وشراهتهم التي لا تنتهي وهم لا يشعرون بأقل لذغة من توبيخ الضمير، تتوالى اليوميات الكئيبة لأحفاد الشهداء تترنح بين دروب تائهة وآفاق مظلمة بعد أن باتوا لا يحصدون إلا السراب، والجميع يصرخ في جهره وفي سره ..طفح الكيل ..فهل طفح الكيل فعلا ؟..
تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن كما يقول الشاعر، وقد جاءت هذه المرة أيضا بما لا تشتهي قلوب الجزائريين التي أصبحت كطيور مشردة هنا وهناك ولا عقولهم التي كادت أن تصاب بالسكتة والخبل لهول المكائد التي يقوم بها حراس الخديعة من شركائهم في الوطن، أين حولوا حياتهم الى جحيم مضطرم بدل الجنة الغناء التي يستحقون التمتع بخيراتها وعسلها وشمسها في جزائرهم القارة، فكان العسل المسموم الذي دس على طبق الزيف والزيغ والإستهتار لملايين الجزائريين المستبشرين خيرا وهم يصنعون فجرا جديدا فوق أديم أرضهم المقدسة، سكبت أولى خيوطه البيضاء النقية يوم 22 من فبراير العام 2019، يوم انطلاق الثورة الحضارية ضد الظلم والفساد والعبث، حيث كانوا يطوقون إلى استعادة معشوقتهم الجميلة الجزائر وحياتهم ورغيفهم وفرحة أطفالهم من مخالب الانتهازيين من دجاجلة السياسة وزبانيتهم عديمي الضمير والمروءة، من وئدوا أمانة الشهداء بدم بارد مستفر وعاثوا فسادا في البلاد والعباد. وبعد قرابة العامين من تلك الثورة المشرفة ضد الضيم والقهر و الجحود التي اختطفت على ما يبدو في مهدها وأريد لها الفناء من كما انها استغلت استغلالا مقيتا ممن يتصيدون دوما الفرص لأهدافهم العفنة الحقيرة، لم تتغير حياة أهل الجزائر قيد أنملة بل على العكس تفاقمت الأوضاع سوء وكآبة وازداد ضجيح الاواني الفارغة من أشباه المسؤولين ..وضاعت الأحلام بل الحقوق على حنبات الزمن والبؤس، ولم تحمل كل التغييرات الشكلية الجوفاء التي قامت بها السلطة وحكومتها في دواليب المسؤولية ولا حتى الوجوه الجديدة البشرى لهؤلاء الجزائريين الذين انتظروا على أحر من الجمر تغييرا حقيقيا ينقذ ما تبقى ويقفز ببلدهم من وهاد التراجع المخزي إلى ذرى التقدم المرجو …ولكن هيهات هيهات فكانت مسرحية ممملة جدا تم إخراجها بذكاء خبيث لتضعهم وتضع أحلام أطفالهم أمام واقع اسود قاتم ..ولئن كان غياب الرئيس والتخبط الإعلامي والانفجار الاجتماعي نتيجة الوضع الاقصادي المتردي قد وضع الكثير من النقاط على الحروف ..فإن كل ذلك كان كافيا لجعل دوامة التذمر والإستياء تتسع رقعتها إلى أقصى مدى لدى الغالبية من أبناء الشعب ..فهل كتب العذاب على هذا الشعب الأبي ؟ ومازاد الطين بلة سياسة اللعب على تغيير الوجوه وتحويلها كالتعديلات الحكومية الأخيرة، ناهيك عن قضية حل البرلمان والتحضير لانتخابات أخرى التي أقرها الرئيس، تلك الخطوة التي لن تأتي أكلها كما يتيقن الجزائريين والسبب ببساطة لأن هذه المسؤولية ستوكل الى التافهين والمنتفعين بدل أصحاب الكفاءة والضمير وهو السهم الذي ضرب مسألة التقدم إلى الأمام في مقتل ..وهكذا يبقى الدوران في فلك الفشل هو سيد الموقف ..فمتى يدرك أصحاب القرار في الجزائر نتائج هذه الكارثة ؟.
ها نحن نعيش الذكرى الثانية لثورتنا البريئة التي أذهلت العالم في زمن تشعبت فيه بنا الطرق ..فكيف ستكون حياة الجزائريين في الشهور المقبلة؟ ..هل سيكون الإصرار على الإستمرار في النضال حتى يحدث الله أمرا كان مفعولا …أم الفرار خفافا وثقالا …أم العزوف والانتظار البائس ؟.