كتب / عصام على
تحتل الشورى فى الإسلام مكانة بارزة جعلتها تأتى بين الصلاة والزكاة فى سورة قرآنية تحمل اسمها “والذين أستجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون”. والأعجب هو أن الشورى أمر بها الله بعدما مارسها النبى الكريم عليه الصلاة والسلام فى غزوة أحد ونزل على رأى الأغلبية بالخروج لملاقاة المشركين خارج المدينة على عكس ما كان يريد وكانت الهزيمة قال تعالى “فأعف عنهم وأستغفر لهم وشاورهم فى الأمر” وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “ما رأيتُ أحداً قطُّ كان أكثرَ مشورةً لأصحابِه من رسول الله “.
والشورى لها مدارات ثلاث:
أولا: تكون الشورى مهدرة ولا قيمة لها ولا وزن ولا يلتفت إليها إذا كانت فى أمر قطع الشارع بحرمته بالقرآن والسنة قطعية الثبوت قطعية الدلالة. فلا يمكن فى الإسلام أن يكون هناك رأى بعد رأى الله ورسوله “وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم.” فالخمر حرام ولو وافق كل الشعب على إباحتها فلا قيمة لرأيهم أمام حكم الله والزنا والربا ولو وتم بالرضا لا يمكن التغاضى عنه وكذلك كل المحرمات. فالشورى لا تتعلق بالحلال والحرام الذى دلت عليه الآيات والأحاديث الصحيحة قطعية الثبوت قطعية الدلالة وإنما تكون فى المصالح المرسلة وهى كثيرة ومتشعبة ومتجددة.
ولأن الشورى لا قيمة لها أمام النصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة -وهى نصوص عزيزة- لم يأخذ النبى الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم برأى الصحابة فى صلح الحديبية رغم أنه كان -كما أشرنا- أكثر الناس مشورة لأصحابه.
وهنا مكمن الخلاف بيننا وبين الليبراليين الذين يرون أن كل شيء معروض للمناقشة وأنه لا توجد مقدسات أو أطر أو مرجعية يمكن العودة إليها عند الإختلاف وهو الأمر الذى يجعل كلامهم دوما كرماد تذروه الرياح لا يقر له قرار. وهذا أيضا هو مطعن كبير لقطاعات عريضة من الإسلاميين على الديمقراطية لأنها تجعل رأى الشعب مقدسا ولا يوجد مقدس إلا قول الله ورسوله الذى لا ينطق عن الهوى.
ثانيا: تكون الشورى مُعلمة وفقا للعقد الاجتماعى السائد والقانون والدستور إذا جعل من سلطة المسؤول إتخاذ القرار ومن ثم المحاسبة عليه. وهذا الأمر أشبه ما يكون بمدير فنى لفريق كرة قدم له عدد من المساعدين يشيرون عليه وله أن يأخذ برأيهم أو يتغاضى عنه أو يفاضل بين أرائهم ويوفق بينها وكذلك الحال مع الرئيس أو الأمير أو رئيس الوزراء ومستشاريه لكن فى النهاية هو المسؤول وصاحب القرار.
ثالثا تكون الشورى مُلزمة وفقا للعقد الاجتماعة والقانون والدستور إذا جعل من الشورى شرطا لصدور القرار. وهذا يحدث عندما يلزم الدستور والقانون الرئيس أو المسؤول أخذ رأى المجلس النيابى أو غيره فى القرارات المصيرية كإعلان الحرب أو إبرام معاهدات السلام أو الإتفاقيات التى يترتب عليها مصالح معتبرة أو تعيين بعض رجال الدولة فى مناصب كالنائب العام ورئيس الجهاز المركزى للمحاسبات وغيرها من المناصب الحساسة التى ينبغى ألا يكون للرئيس أو الأمير أو الملك سلطان عليهم حتى تكون لهم إستقلالية تضمن العدل والنزاهة والحيادية.