بقلم الكاتب الصحفى / صلاح عبد الحكيم ضرار
منذ اللحظة الأولى، حرص الكيان على تصدير صورةٍ ثابتة: “الوضع تحت السيطرة”، “الخسائر محدودة”، “الرد قادم”، “المعنويات مرتفعة”.
لكن خلف هذه العبارات، هناك مشهد آخر تمامًا: جنائز تُخفى، وأرقام تُزوَّر، وجيش يتآكل من الداخل.
كل ما يُعلن من أرقام – سواء في عدد القتلى أو المصابين أو التكلفة – لا يمثل الحقيقة.
الكيان يتعمد التلاعب بالبيانات، يغيّر التصنيفات، ويؤجّل الإعلان عن أسماء القتلى لأيام وربما أسابيع، كي لا يهتزّ الرأي العام.
تقول البيانات الرسمية إن عدد القتلى بالمئات، بينما التسريبات من داخل المستشفيات العسكرية تتحدث عن آلاف.
وتقول الأرقام إن الإصابات لا تتجاوز الخمسة أو الستة آلاف، في حين أن وحدات الإخلاء الميداني أبلغت عن أكثر من ١٥ ألف مصاب، بينهم حالات بتر، حروق، شلل، وفقدان أطراف.
لكن الرقم الأخطر لا يُقاس بالدم، بل بالعقل:
أكثر من ٢٥ ألف حالة انهيار نفسي بين الجنود، وفق مصادر عسكرية عبرية.
جنود يرفضون العودة إلى الخدمة.
آخرون يتلقون أدوية مهدئة منذ شهور.
بعضهم يعاني من كوابيس مزمنة، وبعضهم فقد القدرة على النطق، أو التواصل مع أسرته.
هذه ليست أرقام معركة.
هذه مؤشرات كارثة نفسية داخل جيش يدّعي أنه الأقوى في المنطقة.
الوحدات الخاصة التي طالما تباهى بها الكيان، وُضعت في اختبارات ميدانية حقيقية، ففشلت في التقدم، وتراجعت تحت ضربات المقاومة.
الآليات المدرعة دُمّرت.
والدروع الإلكترونية ثبت أنها لا تحمي شيئًا.
أما القبة الحديدية، التي أنفقوا عليها مليارات الدولارات، فقد أثبتت أنها غير قادرة على اعتراض حتى نصف ما يُطلق من القطاع واليمن وإيران.
سقطت صواريخ على القواعد والمعسكرات والمدن، ولم تفعل المنظومة شيئًا إلا إطلاق صفارات الإنذار.
وإذا انتقلنا إلى الجانب الاقتصادي، فالمشهد أكثر سوداوية.
تكلفة الحرب تجاوزت ٥٠ مليار دولار حتى الآن، بينما قطاعات كاملة في الداخل العبري انهارت، من السياحة إلى الصناعة، ومن الاستيراد إلى العقارات.
لكن الخسارة الكبرى ليست في المال ولا المعدّات.
الخسارة الحقيقية هي في الهيبة العسكرية.
ذلك الغلاف السميك الذي بناه الكيان لعقود، كُشف فجأة.
أصبح الجيش “الذي لا يُقهر” مجرّد جيش تائه، يتخبط، يُصاب بالكمائن، ويُفاجَأ بالمقاومة.
كل ذلك والقيادة تُنكر، والإعلام يتستّر، والمجتمع يتململ.
السؤال لم يعد: كم عدد القتلى؟
بل أصبح: إلى متى سيُخفى الرقم الحقيقي؟.
وكم من الوقت سيستمر خداع الداخل قبل أن ينفجر من تلقاء نفسه؟.
ما يحدث ليس حملة عسكرية عادية.
إنه زلزال داخلي يضرب المؤسسة العسكرية للكيان، زلزال سيترك أثرًا طويلًا على كل مستوياته: الأمنية، النفسية، والسياسية.
والمقاومة، في المقابل، لم تُهزم.
بل هي التي تُعيد تشكيل الوعي، وتفرض المعادلة مهما صرخ أهل الخذلان ودعاة الهزيمة.
فمن يظن أن الكيان “يتماسك”، لم ينظر جيدًا إلى ملامح الجنود العائدين، ولا إلى صمت العائلات، ولا إلى خوف القادة.
هذا الكلام أكيد لا يرضي دعاة الخذلان والهزيمة.