بقلم / خديجة بن عادل
في زمنٍ تتسابق فيه الأصوات وتضيع فيه المعايير، لم يعد يُقاس التأثير بعمق الكلمة ولا بثقل المعنى، بل بعدد “المتابعين”، وكمية “الإعجابات”، وتفاهة “المحتوى”. صار الأديبُ ذلك الذي يقضي عمره في السهر على جملة، ويحترق من أجل فكرة ، كائنًا هامشيًا، يتحدث إلى الفراغ، بينما تُسلّط الأضواء على أولئك الذين لا يملكون من اللغة إلا فجاجتها، ولا من الفكرة إلا خواءها.
أصبح أصحاب “النفخ” و”الشفط” و”التحديات السخيفة” هم من يُحتفى بهم، تُفتح لهم المنصات، وتُغدَق عليهم الدعوات والدعم، وكأنهم هم الذين سيبنون وعي أمة أو ينهضون بوجدان شعب. نراهم يتحدثون بسخرية فجّة، بألفاظ بذيئة، ويُقابل ذلك بعاصفة من التصفيق والإعجاب والتفاعل… بينما يُقصى الكاتب، يُنسى الشاعر، ويُؤرشف صوت الحكيم في زوايا مظلمة لا تليق بحبره ولا برسالته.
لقد تحول الفضاء العام من منبرٍ للأفكار إلى حلبةٍ للاستعراض. لم يعد أحد يسأل: “ما الذي تقول؟” بل: “كم لديك من مشاهدات؟”
ولم يعد هناك مكان لمن يكتب ليهدي، أو يفكر ليعلّم، أو يصرخ بضمير الأمة.
كل ذلك صار من زمنٍ مضى… من سذاجة أولئك الذين ظنّوا أن الكلمة الحرة قد تنقذ.
لكن مهلاً…
لا يزال الأديب يكتب.
لا يزال الشاعر يصدح.
لا يزال المفكر يزرع كلماته في صمت، يعرف أن الثمار لا تُقطف من ذات البذرة، ولكنها تأتي، ولو بعد حين.
فصُنّاع الرداءة يمكن أن يعلو صراخهم، لكن لا يمكن أن يخلّدهم التاريخ.
أما أولئك الذين يُقصَون اليوم لأنهم أنقياء، فإن الكتب ستذكر أسماءهم، وسيُقال يومًا: “هؤلاء كانوا يكتبون حين كان الضجيج أعلى من الحرف.”
“في زمن الرداءة، يصبح الكلام العاقل خيانة.”
جورج أورويل
______________________
#خديجة_بن_عادل #khedidja_benadel