بقلم دكتور / خالد قنديل
لا أحد يطرق الباب، لكن زياد مر..
مر كما يفعل دائمًا.. بلا استئذان، يترك وراءه رائحة قهوة سوداء وعبارة نصف ساخرة، نصف نازفة.
اليوم لم يمر..
مات زياد..
لكن، هل يُقالها هكذا؟ ببساطة مفردة؟، وكيف تموت نغمة لا تزال تتسكع في عتمة السهر؟، كيف يُطوى صوت، كان كلما نطق، شعرنا أن المدينة تتنفس صدقه؟، كان زياد آخر أوتار الحنين فينا، لم يكن يلحن، بل كان يكتب دمع العالم على نوتة، كان يزرع السخرية بين خصلات الألم، كمن يخبئ وردة في جيب بدلة قديمة ويقول: “خذوها.. إن كانت تشبهكم”.
الآن.. سكن الهدوء كثيرًا حول آلاته، كأن البيانو قرر الصمت، وكأن بيروت على وشك أن تتوقف عن التنفس..
يا فيروز، يا سيدة الضوء المتعب، لقد عاد إليك ابنك كما تعود الألحان إلى رحم الصمت، ما أثقل قلب الأم حين يموت الصوت الذي ربته بين أصابعها، حين يكف ابنها عن التلحين لها، ويترك لها هذا العالم وحدها، بلا لحن يخصها أكثر من حضنه.
زياد…
لا وداع لك..
نحن لا نودع من استقر في طبقة الصوت الرابعة، في الوجع النبيل، في انكسار الجمل الغنائية، في هدوء السطر الأخير من المسرحية.. حين تصفق الناس ولا تضحك.
أنت هنا، بيننا، في طيف موسيقى لا يريد أن ينتهي..
في ضحكة نصفها وجع..
وفي صمت يشبهك..