بقلم / رضا اللبان
في زمنٍ لم تعد فيه البيوت تحيطها الأشجار… بل يطوّقها الضجيج والإهمال والأنانية، بات الجار الصالح عملة نادرة، والجار المؤذي هو العنوان الأبرز لأزماتنا اليومية.
جار لا يكتفي بضوضاء لا تنقطع، بل يصرُّ على طرق المسامير وتشغيل الأجهزة بأعلى صوت وكأننا في ساحة معركة، لا في حيٍّ سكنيّ.
وجار آخر يترك أبناءه في الشارع يصرخون، يسبّون، ويتطاولون، بينما تقف بنات الناس حائرات، يتلقين سيل الشتائم كأنها جزء من المنهج اليومي!
وهكذا نعيش وسط أذى لا يُطاق، لا يفرّق بين كبير في السنّ يبحث عن راحة، ولا صغير يحتاج إلى نوم، ولا امرأة تستحق الأمان.
ومع ذلك، لا قانون رادع… ولا خطيب واعظ… ولا مسؤول يتحرك!
كنت اشتكى لصديق لى مايفعله أبناء جارى الذى يسكن فوقى الذين يصولون ويجولون فى جميع أنحاء الشقة ولك أن تدرك مايحدث كما لو كان هناك زلزال ويستمر هذا طوال الليل والنهار وكل ما اتحدث مع والدهم لا يقول سوى حاضر سوف امنعهم ولكن لا يحدث شئ ويستمر الأمر.. واذ بصديقى يشتكى من نفس الشكوى وان جيرانه لا يراعون فى اللَّهِ الا ولا ذمة وانهم كذلك يفعلون ولما تحدث معهم قالوا له بمنتهى البرود كل واحد حر فى شقته ( حسبنا الله ونعم الوكيل )
أين خُطَباء المساجد؟
أين المنابر التي يجب أن تصرخ في الناس:
“اتقوا الله في جيرانكم!”
لماذا أصبحت خُطب الجمعة بعيدة عن معاناة الناس؟ لماذا لا يُخصَّص شهر كامل للحديث عن أخلاق الجيرة، والسلوكيات المسيئة التي أصبحت وباءً اجتماعيًّا؟
أليس من واجب الإمام أن يكون طبيبًا لأخلاق المجتمع؟ أليس من دوره أن يحيي فينا حديث النبي ﷺ:
“من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم جاره”؟
الخطيب الحقيقي ليس من يحفظ الخطب… بل من يحيا بقضايا الناس وينبض بها.
أين الدولة والقانون؟
الأذى الجسدي له قانون، ولكن ماذا عن الأذى النفسي والمعنوي؟
من يُعاقَب على سباب الأطفال في الشوارع؟ من يُحاسب من يمنع عجوزًا من النوم؟ من يُوقف جحيم الأصوات العالية في الأحياء الشعبية؟
نحن بحاجة إلى قانون ينظم الضوضاء والسلوكيات المؤذية داخل الأحياء السكنية، تمامًا كما نُنظم المرور والمحال.
نريد جهاز شرطة مختصّ بشكاوى الجيران، وتطبيق إلكتروني للإبلاغ عن المخالفات، وغرامات تردع المستهترين بأذى الناس.
المدرسة… الجامعة… المسجد… الإعلام
كل مؤسسات الدولة يجب أن تتكامل لإحياء خُلق الجيرة.
منهج دراسي يتحدث عن حقوق الجار.
جامعة تُطلق مبادرات أخلاقية في الأحياء.
إعلام يُسلّط الضوء على النماذج المؤذية كي تخجل.
ومسجدٌ يوقظ القلوب النائمة بخطب تُعيد للجار قيمته.
كلمة أخيرة…
يا من تؤذي جارك…
تذكّر أن الله لا يُهمل.
تذكّر أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.
وأن النوم الذي سرقته من غيرك… سيُسرق من عينيك يومًا، فالدنيا دوارة.
“والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن… من لا يأمن جاره بوائقه.”