بقلم دكتور / عمار علي حسن
كل جهد يبتغي تقدما أو تجديد فكر أو تنويرا، يتحطم على صخرة “الاستبداد السياسي” و”التخلف الاجتماعي” ولذا فإن تبني أي مشروع فكري لا يتصدى لهذه المشكلة محكوم عليه بالفشل الذريع.
والتنوير الحقيقي لا يتم لحساب سلطة مستبدة أو جهة استعمارية عالمية النزعة، أو وكيل إقليمي لها، أو لحساب مشروع خفي يريد في النهاية أن ينزع من مجتمعنا أي نخوة أو غضب أو اعتراض على مسخ هويته والسيطرة على عقله ووجدانه وسرقة مقدراته.
كما لا يتم التنوير في مجتمع يعاني من تخلف بسبب سياسات سلطة مستبدة، وأولها عدم الالتفات إلى التعليم، وعدم الانشغال بتطبيب عوز الناس واحتياجهم حتى للضروريات.
التنوير ليس لعبة لإلهاء الناس، أو لفت نظرهم بعيدًا عن المشكلة الحقيقية، أو وسيلة لخداع جديد لهم. والتنوير ليس استهدافًا بالنقد لطرف واحد أو عقيدة واحدة أو فكرة واحدة أو نمط واحد من التدين، إنما ينظر إلى كل هذا بشمول، ونزاهة وحياد، معملا التفكير العلمي المجرد، وفي إطار مقارن.
والتنوير ليس فرصة لخطف مال، ولا اصطياد شهرة، بل هو مسؤولية ثقيلة على نفوس المخلصين للنهوض وعقولهم، يكونوا فيها أشد الناس حرصا على عدم ابتذال التنوير حين يرفع رايته أي شخص مجروح أخلاقيا، أو أي بوق لسلطان جائر، أو ساكت عن الحق، أو سارق أفكار، أو آكل على كل الموائد، أو راقص على حبال الأفكار والمواقف، أو منعزل عن قضايا مجتمعه.
ولا يكون التنوير مجرد ابتعاد عن جدول أولويات المجتمع في أي وقت، ولذا لا يمكن تصديق “تنويري” يتحدث عن حرية تفكير، ولا ينتصر أبدا لحرية التعبير، فلا نراه يعترض على سجن أصحاب رأي، ولا ينتصر أيضا لحرية التدبير أي حق الناس في تنظيم شؤون حياتهم، ولا يرفض الانفراد بالقرار والاحتكار، ولا يلتفت إلى أنين الناس.
وحتى كلمة “التنوير” نفسها صارت على يد بعض مدعيها مصطلحا سيء السمعة، لاسيما حين اتخذها بعض الأشرار وسيلة للنفاذ إلى ما يريدون.