وُلدت مقاتلة الشبح J-20 “التنين الجبار” من شركة تشنغدو الصينية نتيجةً للصدمة التي تلقاها جيش التحرير الشعبي بعد مشاهدته التفوق الجوي الأميركي خلال حرب الخليج عام 1991، وسرعان ما تطورت لتصبح منصة قتالية متقدمة ومتكاملة. اعتمدت في البداية على محركات روسية من طراز AL-31F، لكنها باتت الآن تُزوّد بمحرك WS-15 المحلي، مما يمنحها القدرة على التحليق بسرعة فوق صوتية دون الحاجة إلى الحارق اللاحق، وهي ميزة أساسية لمقاتلات الجيل الخامس

مع استمرار خطوط الإنتاج في تصنيع دفعات جديدة، برزت نسخ متعددة من المقاتلة، من بينها النسخة ذات المقعدين J-20S، والتي يُعتقد أنها صممت لقيادة أسراب الطائرات المسيّرة أو لأدوار الحرب الإلكترونية والقيادة والسيطرة، بما يتوافق مع الطابع الشبكي للعقيدة القتالية الصينية الحديثة. تطوّر هذه المقاتلة يشير بوضوح إلى صعود الصين كقوة صناعية جوية عالمية تنافس الهيمنة الأميركية في المجال الجوي، خصوصاً في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

تعود جذور مشروع J-20 إلى أواخر التسعينيات، حين أطلقت الصين برنامج J-XX لتطوير طائرة مقاتلة من الجيل الخامس، رداً على التقدم الأميركي في تصميم مقاتلة F-22 والتجارب الروسية في هذا المجال. وقد فازت شركة تشنغدو بفرصة تطوير النموذج النهائي بفضل خبرتها السابقة في تطوير مقاتلات مثل J-9 وJ-10. اعتمد التصميم على شكل دلتا مزوّد بجناحين أماميين (كنارد)، ما يمنح قدرة عالية على المناورة، إلى جانب فتحات هواء مدمجة بلا فواصل (Diverterless), وحجرة تسليح داخلية، ومواد ماصة للموجات الرادارية لتقليل البصمة الرادارية، فضلاً عن مقصورة قيادة رقمية بالكامل توفّر عرضاً شاملاً للبيانات للطيار

حلق لنموذج الأول، المسمّى “2001”، لأول مرة في 11 يناير 2011، في حدث تزامن مع زيارة وزير الدفاع الأميركي إلى الصين، ما اعتُبر رسالة سياسية صريحة بشأن طموحات بكين الجوية. استمر تطوير النماذج الأولية لعدة سنوات، وفي عام 2017 دخلت المقاتلة الخدمة رسمياً ضمن القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي، لتصبح الصين ثاني دولة في العالم تُشغّل مقاتلة شبحية عملياتية بعد الولايات المتحدة.

من أكبر التحديات التي واجهت الصين في تطوير J-20 كانت مسألة المحرك. فالمحركات الروسية لم توفر الأداء المطلوب، مما دفع بكين إلى تطوير محركاتها الخاصة، بدايةً بمحرك WS-10C، الذي قدّم قدرات محدودة على التحليق دون حارق لاحق، لكنه لم يكن كافياً. المحرك المنشود كان WS-15، محرك محلي عالي الدفع مصمم خصيصاً لتلبية متطلبات الشبحية والسرعة والكفاءة. وبعد سنوات من العمل التقني المعقد، دخل هذا المحرك مرحلة الاختبارات الطيرانية عام 2022، وبحلول عام 2023 بدأ يُنتج على نطاق واسع، ما جعل J-20 تمتلك أخيراً المقومات الكاملة لمقاتلة من الجيل الخامس

شهدت المقاتلة تطوراً كبيراً في نسخها. النموذج الإنتاجي الأول حمل اسم J-20A، وتبعه J-20B بمحركات أكثر تطوراً مع خاصية توجيه الدفع (Thrust Vectoring)، فيما جاءت النسخة J-20S لتضيف بعداً عملياتياً جديداً بوجود مقعد ثانٍ يسمح بتنفيذ مهام مركّبة، منها الحرب الإلكترونية والتفاعل مع الذكاء الاصطناعي والطائرات غير المأهولة

مقاتلة “إف-22 رابتور” من إنتاج شركة لوكهيد مارتن تنفذ مناورة جوية خلال عرض طيران في معرض “رويال إنترناشونال إير تاتو” بمدينة فيرفورد البريطانية، في 8 يوليو 2016. الصورة: بيتر نيكولز – رويترز / أرشيف

أثارت J-20 منذ ظهورها جدلاً واسعاً في الغرب، بسبب تشابه بعض ملامحها مع إف-22 الأميركية، مثل الأنف المُسنن والمخازن الداخلية للأسلحة. ووجّهت اتهامات للصين بالاستفادة من عمليات قرصنة إلكترونية استهدفت برامج مقاتلات أميركية، إلا أن بكين تنفي ذلك

ومع ذلك، فإن المقاتلة J-20 ليست نسخة مطابقة لأي طائرة غربية. ورغم صعوبة إثبات أو نفي فرضية التجسس الصناعي، فإن هذه الطائرة تُعد منصة فريدة صُممت خصيصاً لتلبية الاحتياجات الاستراتيجية والعقائد القتالية الصينية.

ومع دخول إنتاج J-20 مرحلة النضج الكامل، باتت الصين في موقع شبه ندّي للولايات المتحدة من حيث تصنيع المقاتلات الشبحية. وتعزّز هذه الطائرة قدرة الصين على إبراز نفوذها العسكري في بحر الصين الشرقي والجنوبي ومضيق تايوان.

كما تؤدي J-20 دوراً رادعاً في مواجهة القوات الجوية الأميركية والحليفة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وعلى نطاق أوسع، تُجسّد هذه المقاتلة صعود الصين كمنافس مكافئ في ميدان تكنولوجيا الطيران العسكري.

وتُعد J-20 عنصراً محورياً في عقيدة “الحرب المعلوماتية” الصينية، التي تقوم على دمج أنظمة الاستشعار والاتصالات والقيادة والتحكم عبر مختلف المجالات العملياتية.